كتّاب الديار
كلبناني حتى العظم، كعربي حتى العظم، ومن موقع اللامنتمي الى أي حالة سياسية أو طائفية أو ايديولوجية، وكوني أقرب الى الثقافة الغربية التي تمثلها وجوه مثل أندريه مالرو، وألبير كامو، وريجيس دوبريه، وبرتراند راسل، وغانتر غراس، وتوني موريسون، أسأل، وأنا أرى تلك الأسنان الصفراء وهي تنتظر لحظة الانقضاض على «حزب الله»، ما هي الخطيئة التي ارتكبها هذا الحزب ليرجم على مدار الساعة؟
احتلال ايراني؟ كما لو أن المنطقة لا تدار، بقضها وقضيضها، باصبع من قدم الجنرال كينيث ماكنزي…
كصحافي عشت التراجيديا الجنوبية بتفاصيلها اليومية، ابان الاحتلال الاسرائيلي، كما أعيش كشاهد ـ باعصابي، وبوعيي الثقافي والأخلاقي، التراجيديا الفلسطينية ـ على تلك الأوثان التي تحكم العالم ولا تهزها مشاهد القتل، والاقتلاع، والتنكيل في الضفة والقطاع وفي النقب، يحق لي أن أعترض على دخول الحزب، كظاهرة تاريخية ـ ظاهرة فذة ـ للمقاومة في اللعبة السياسية الداخلية بكل ظلالها الفضائحية.
أجل، ما هي الخطيئة التي ارتكبها «حزب الله». ونحن نرى كيف أن العرب، بتلك الكتلة البشرية، وبتلك المساحة الجغرافية، وبتلك الثروات، لا يشكلون شيئاً لا في المعادلات الدولية، ولا في المعادلات الاقليمية (ودائمأً بثقافة داحس والغبراء). تماثيل الملح بين لوثة التاريخ ولوثة الايديولوجيا في المنطقة، وحول المنطقة.
لا كلمة بين أعداء الحزب عن اسرائيل التي يفترض أن تكون هاجسنا حين تصل الينا أصوات الجنرالات، وأصوات الحاخامات، بأن لبنان ليس فقط فائضاً جغرافياً بل خطأ تاريخياً. العقل الاسبارطي (التوراتي اياه) حين يقتل الفلسطينيين، جيراننا وأهلنا، ويهدم منازلهم، ويغتصب حقولهم. نحن في زمن العيون المقفلة والرؤوس المقفلة.
لا تعنينا ايران الا كصديقة وقت الشدائد، ونحن مع الحزب لأنه، وبالفم الملآن، القوة الوحيدة المتبقية في صراعنا مع بربريات القرن. ولطالما قلنا ألا مشروع في المنطقة سوى المشروع الأميركي (الاسرائيلي). لا لبنان سيصبح ايرانياً ولو زلزلت الدنيا، ولا سوريا، ولا اي حبة تراب في أرض العرب.
هل «حزب الله» هو من قدم لبنان، على طبق من الفضة، الى ياسر عرفات، قبل أن تفتح الأبواب أمام آرييل شارون الذي دخلت دباباته الى بيروت (بيروت المقدسة)، ودق بيد يهوذا، وهو يهوذا القرن، على باب رئيس الجمهورية…
حجته، كما حجة مناحيم بيغن، تدمير ألآلة العسكرية لمنظمة التحرير. وقد تسنى له ذلك، فلماذا بقي جاثماً على أرضنا لعقدين من الزمان، اذا كنتم تذكرون سنوات القهر، وكيف تحول معتقل الخيام الى معسكر نازي، ولا مجال لتخيل ما كان يحدث فيه من «حفلات» التعذيب والتنكيل.
كل هذا ذهب الى النسيان. خطيئة «حزب الله» أنه تلقى المال والسلاح من ايران. كل حركات التحرر في العالم (وفي التاريخ) حصلت على مساعدات للمقاومة. لن نذكر الفيتكونغ، ولا ثوار الجزائر. نذكر شارل ديغول، ونذكر ونستون تشرشل أثناء مواجهة الأرمادا النازية.
هل كان يفترض بأهل الجنوب أن ينحنوا، أو أن يجثوا، بين يدي الأنبياء الجدد، البرابرة الجدد، الذين ما زالوا يهددون بأنهم لن يتركوا حتى كلباً في بيروت على قيد الحياة. لم يقل ذلك لا هولاكو، ولا جنكيز خان، ولا أتيلا الجبار، لكنها التوراة، وثقافة التوراة أيها السادة.
خطيئة «حزب الله» أنه قاتل السلطان العثماني على الأرض السورية، وكل تلك الانكشاريات التي طالما قلنا انها آتية من ليل الصفيح وليل الكهوف، والتي لو سقطت دمشق في قبضتها لسقطت بيروت، وسقطت مكة، وسقطت كل عواصم العرب.
للذين يشحذون أسنانهم، وسكاكينهم، للانقضاض على «حزب الله»، والذهاب بلبنان الى «صفقة القرن»، خذوا الـ128 مقعداً، وخذوا رئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة، لكن لبنان سيبقى جبل الصوان في وجه الصفقة وزبانية الصفقة، ولتكن الخطيئة الثالثة من «حزب الله».
هنا الخطيئة التي ترفع الرأس، وتنحني لها الرؤوس…