بري قلق من خلفيات استبعاد سعد ومرتاب من مشروع بهاء السياسي!

حزب الله مرتاح اقليمياً ويبحث عن «طبخة» توازن بين حلفائه داخلياً

لا تبدو الانتخابات التشريعية اولوية كهدف بحد ذاته، او مصدر قلق لدى حزب الله على خلاف كافة المكونات اللبنانية من خارج «البيت الشيعي»، او بالاحرى لا يشكل الاستحقاق الانتخابي «همّا» يشغل بال الحزب المرتاح في ساحته في ظل التفاهم المنجز غير القابل للـ «اهتزاز» مع حركة امل ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، لكن الهم الاكبر يبقى في كيفية مساعدة حليفه التيار الوطني الحر في استعادة ما فقده من شعبية في الشارع المسيحي، كي يتم استعادة الاغلبية الرقمية في مجلس النواب، باعتبار ان الاغلبية الفعلية التي تحكم عادة في البلاد لا ترتبط بعدد النواب في المجلس وانما في القدرة على التاثير في الواقع السياسي تبعا لموازين القوى الداخلية والخارجية التي لا تزال في صالح الحزب وستبقى، بحسب اوساط نيابية بارزة، ترى ان ذلك سيسمح لهذا التحالف «المفترض» في التاثير على الاستحقاق الرئاسي المقبل حيث من المحسوم ان لا رئيس جديد للجمهورية غير مرضي عنه من حزب الله على وجه الخصوص الذي سيبقى الناخب الاكبر مهما تضاءل حجم الكتلة التي يمثلها التيار الوطني الحر في المجلس النيابي.

واذا كان التفاهم الاستراتيجي مكتمل الاوصاف بين «الثنائي الشيعي»، فان الافتراق واضح لجهة العلاقة مع التيار «البرتقالي» حيث يسعى الرئيس بري الى تحجيم الكتلة النيابية برئاسة جبران باسيل الى حدها الادنى، وهذا يفرض عبئا اضافيا على الحزب الذي يسعى الى ايجاد توازن صعب في العلاقة بين الحليفين لمحاولة عدم حصول «كسر عظم» حاد في المناطق المختلطة انتخابيا، ويعمل على نحو دقيق لاحتساب توزيع «عادل» للأصوات الترجيحية بحيث لا «يموت الناطور ولا يؤكل كل العنب». واذا كان الرهان على الوقت غير «مبشر» لإيجاد مساحات مشتركة بين «التيار» و «امل»، لان بري مصر على «كسر» باسيل، وبانتظار «الطبخة» المبتكرة لدى الحزب في هذا السياق، فان «الهم» الرئيسي عند الرئيس بري يبقى في «الفراغ» السياسي المقلق على الساحة السنية بعدما اختار الرئيس سعد الحريري «الاستقالة» من دوره السياسي بعدما ضاقت به السبل وخسر كل الرعاة الاقليميين بعدما عمل السعوديون على «اقفال» كل «الطرق» امامه ومنعوا شركائهم في الخليج من تقديم اي مساعدة سياسية له، ووفقا لمصادر ديبلوماسية اضيفت الى محنة الحريري خسارة الدعم الفرنسي بعدما ابلغه الفرنسيون صراحة انه لم يعد احد «الاحصنة» الرابحة على الساحة اللبنانية بالنسبة اليهم، والافضل ان ينسحب من المشهد، بعدما اخفق في ادارة المرحلة الفاصلة وساهم في اجهاض مبادرات الرئيس ايمانويل ماكرون.!

هذا الفراغ يثير قلقا كبيرا لدى بري الذي يخشى من تشرذم كبير على الساحة السنية حيث من المفترض ان تملأ الفراغ قوى مفككة غير قادرة على قيادة هذا المكون، وهو سيخسر حليفا اساسيا مثّل جزءا من «تركيبة» بقي فيها وحيدا بعدما اختار النائب السابق وليد جنبلاط الجلوس على «التلة» والابتعاد عن كل ما يمكن ان يجلب «وجع الرأس»، ولهذا يبذل بري جهودا حثيثة لفك «طلاسم» قرار الحريري الذي يتحدث عن ظروف شخصية ضاغطة تمنعه من الترشح فيما بات رئيس المجلس مقتنع ان الامر اكبر من ذلك، وصارح زواره بوجود ملامح قرار خارجي اقليمي – دولي بإخراج الحريري من الحلبة السياسية اللبنانية.

لكن الامر المثير لعلامات الاستفهام يبقى البديل غير الواضح حتى الان، وكأن ثمة من يرغب في اثارة الفوضى على الساحة السنية وشرذمتها لاهداف لا تزال مجهولة، ويخشى ان تكون التحضيرات على قدم وساق لخلط «الاوراق» وفرض سياقات جديدة تتجاوز اتفاق الطائف عندما تنتقل المنطقة من «الكباش» الى «التسويات». وبحسب اوساط مطلعة يستمر التواصل «المتقطع» مع الحريري في محاولة لثنيه عن قراره، اذا كان قادرا على ذلك، او تامين الاجواء المناسبة قبل اعلان انسحابه لمنع انهيار تيار المستقبل، خصوصا ان بري قلق من مشروع بهاء الحريري القادم بقوة لملء الفراغ، وهو يحمل مشروعا «مبهما»، ويثير علامات استفهام كبيرة، خصوصا انه يقوم بضخ كبير للاموال، ويغري الكثير من المرشحين بموازنة مفتوحة، ويطلق شخصيا، وعبر منصاته الاعلامية والصحافيين التابعين له خطابا مليئا بالكراهية ضد حزب الله، ما يهدد بانعكاسات خطيرة على خط توتير الساحتين السنية – الشيعية.

واذا كانت فرصة الحريري المتبقية تبقى في توحيد الجهود الغربية والاقليمية لمواجهة حزب الله بتحالف عريض انتخابيا، وقبوله ان يكون رأس حربة في «مشروع انتحاري»، فان التعقيدات في المشهد الداخلي، وان كانت تشغل حزب الله على نحو اقل، الا انه مرتاح للتطورات الاقليمية في ظل الموقف الايراني الصلب في مفاوضات فيينا، والتفوق العسكري لحلفائه في المنطقة بعدما ثبت «انصار الله» في اليمن قواعد اشتباك جديدة من خلال الهجوم الصاروخي وبالطائرات المسيّرة على الامارات. فطهران فرضت نفسها كقوة إقليمية ودولية، لا يمكن تجاهلها، ويكفي ان الحوار الغربي معها يأتي على خلفية الخوف منها، فواشنطن تعتقد أنه في عام 2015، عندما وقعت إيران على فرض قيود على برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات، قيل أنها كانت على بعد نحو 12 شهرا من إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المخصب الذي يستخدم في صنع الأسلحة النووية. ولكن بحلول شباط من العام الماضي، كانت على بعد ثلاثة أشهر فقط. اما الآن، يجزم خبراء أميركيون، إنها على بعد نحو ثلاثة أسابيع من تحقيق ذلك. وبغض النظر عن صحة هذه «الاتهامات» من عدمها الا ان الاهم يبقى ان يد الايرانيين تبقى العليا في المفاوضات، في ظل ضعف اميركي واضح ترجم انسحابا متسرعا من أفغانستان فيما يحكم واشنطن رئيس ضعيف يرغب في ترك المنطقة ومربك في التعامل مع حلفائه.

اما «لغز» المسيّرات اليمنية وصواريخهم المجنحة، فله تداعيات استراتيجية كبيرة في المنطقة خصوصا مع دخول اسرائيل على خط «الهلع» مما ينتظرها في اي حرب مقبلة سواء مع ايران او حزب الله الذي يملك باعتراف القيادات الامنية الاسرائيلية، ما هو اخطر واكثر تقدما مما يملكه الحوثيون، وقد نقلت صحيفة «يديعوت احرنوت» بالامس عن مصادر أمنيّة وسياسيّة وُصفت بأنّها رفيعة المُستوى في اسرائيل، تاكيدها ان إسرائيل تنظر بقلق إلى هجوم الطائرات المسيّرة على أبو ظبي وقال «نحن نستعد لسيناريوهات هجوم مماثلة تستهدف أهدافًا إسرائيلية من جانب حزب الله»… وتحاول اسرائيل الاستفادة من الحادثة لاستخلاص العبر لإحباط هجمات مشابهة ضدّها في المستقبل، في ظل ترجيحات بان يجري استهداف اسرائيل ب 4000 آلاف صاروخ يوميا منها صواريخ دقيقة ما سيؤدي الى انهيار منظومات الدفاع التي فشلت في الخليج.

هذه المعطيات تدفع حزب الله الى مزيد من الاطمئنان خارجيا في ظل حالة الارباك السائدة لدى خصومه واعدائه، خصوصا ان اسرائيل ستكون مردوعة عن القيام بأي حسابات خاطئة، ما يفسح له المجال لمحاولة معالجة الملفات الداخلية بهدوء اكثر لتمرير الاستحقاقين الرئاسي والنيابي باقل الاضرار الممكنة وبعدها فان الضغوط الخارجية ستصبح اقل على وقع حصول تقدم في التسويات في المنطقة.