“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
كحال ما يحصل في ملف ترسيم الحدود البحرية مع “إسرائيل”، كذلك في ملف استجرار الغاز من مصر، فلا تنفكّ واشنطن تُمارس سياسة المماطلة..
قامت الدنيا ولم تقعد حين أسرعت السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا قبل أيام إلى السراي الحكومي لتسليم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، “ورقة” تتضمّن ما قيل إنه استثناءٌ من عقوبات” قيصر”، يسمح للبنان بالشروع في استجرار الغاز من مصر، تماماً حين “هرولت” مسرعةً لتجنّب ردات الفعل التي أحدثها استقدام “حزب الله” عبر إيران لكميات من المازوت، فأذاعت يومها أن الإدارة الأميركية لا تُمانع أن يستفيد لبنان من الغاز المصري والكهرباء الأردنية، وإنما الإدارة الاميركية تشجّع على سلوك هذا الإتجاه، ففُسرَّ كلامها بأنه ضوء أخضر أميركي للشروع في التنفيذ!
ثمة من يعتقد أن المحاولة الأميركية لا تأتي انطلاقاً من رغبةٍ في مساعدة لبنان وإنما ممارسة المزيد من الضغط عليه! كيف؟ القصة تبدأ من ملف ترسيم الحدود البحرية. فلو أرادت واشنطن حقاً أن ينعم لبنان باستقرارٍ في مجال الطاقة، لكانت أفرجت عن “مراسيم الإتفاق” على نحو ٍ لا يقيّد لبنان في مسائل تقنية، على شاكلة فرض المساحة الحدودية عليه ضمن سقف الخطّ 23 وما دون، وبالتالي لا يعود من حاجة لإصدار أذونات تُتيح لمصر أن تتحرّر في جرّ الغاز إلى لبنان. لكن يبدو أن الثمن في مجال الطاقة في لبنان، والمطلوب دفعه، لم يختمر الإتفاق عليه بعد. إذاً، لا مانع في زيادة الحصار على هذا البلد وتقويض حضوره في مجال الغاز حتى يقبل بالشروط المفروضة عليه! حتى ذلك الحين، ستحلّ القاهرة بديلاً شرعياً لمدّه بالغاز ولمدة لا تقلّ عن 18 عاماً وفق نص الإتفاق. فكيف لدولةٍ مقبلة على الغاز أن تقبل بهكذا مدّة؟
بالتوازي، القاهرة ليست ساذجة إلى درجة أن تجرّ الغاز إلى دولة يُفترض أن تتحول إلى “دولة غازيّة” مستقبلًا! لمصر “السيسي” أجندتها في المنطقة. دعكَ من الأثمان الإقتصادية، ثمة أخرى مترتّبة. فمصر تطمح إلى توريد الغاز على نطاقٍ واسع إلى دول المنطقة، كي تصبح مساهمة أو مؤثّرة في تركيب سياساتها. أمرٌ آخر، مصر لن تقدّم ذلك بالمجّان أو تضع مستقبل شركاتها على المحكّ. طلبت من واشنطن سابقاً إستثناءً واضحاً في هذا المجال، فأتوها بـ Comfort letter اعتبرتها القاهرة لا تؤدي الهدف منها، ولا تتيح للشركة المصرية القابضة حرية البيع والتنقّل في الأسواق، فجمّدت تفعيل الإجراء وطالبت بالمزيد. ووفق معلومات “ليبانون ديبايت” تطالب القاهرة بتشريعات خاصة من الكونغرس الأميركي، كي تتيح لنفسها بدء تزويد الدول المجاورة (سوريا، لبنان) بكميات من الغاز.
على المقلب الآخر، ذاع الصيت أن لبنان نال استثناءً رغم أنه لا يحتاج إلى ذلك، وإنما من يطلب الإستثناء هي القاهرة. لتبرير هذه المسألة الشائكة، أُذيع أن وزير الخارجية عبدالله بو حبيب الذي زار واشنطن مؤخراً، تلقى وعداً من مسؤول أميركي كبير، أن تتولى وزارة الخزانة الأميركية القضية. من جملة الوعود التي تلقاها بو حبيب، أن الجانب الأميركي سيخاطب القاهرة وتحديداً رئيس مجلس الوزراء هناك، لإبلاغه بما جرى التوصّل إليه مع الجانب اللبناني. و للإشارة، فإن نتيجة مباحثات بو حبيب أُبلغت إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وليس من قبيل المصادفة أن الإعلان عن هذا “الإتفاق” تزامن وتسريبات صدرت عن الجانبين وفي نفس اليوم.
ولقطع الشك باليقين متى أن عدداً من وسائل الإعلام ومنها “ليبانون ديبايت” قد شكّكت بالنتائج، تعمّدت السفيرة الأميركية القيام بـ”إسقاطة إعلامية”، على شكل تسليم “ورقة موافقة” تتضمن “استثناءً” إلى رئيس الحكومة، ليتبيّن لاحقاً أن تلك الورقة، وفق المعلومات التي حصل عليها “ليبانون ديبايت”، لا يمكن اعتبارها إستثناءً بل مشابهة للورقة التي تسلّمتها القاهرة قبل أشهر قليلة، ورفضت اعتبارها تصريحاً للبدء برفد سوريا بالغاز كي تتمكن الأخيرة من تزويد لبنان بالكميات. وأشارت إلى أن الكتاب المُشار إليه “إداري”، أي أنه يسمح للبنان بتوقيع اتفاق تجاري مع الجانبين الأردني والمصري بشكل أحادي، على أن تُرفع الإتفاقيتان إلى واشنطن عبر السفارة في بيروت لعرضها على وزارة الخزانة الأميركية للتدقيق في مدى مراعاتها للأصول وإلى أي مدى تلتزم بالمعايير الأميركية وإلى أي قدر يتيح “النص” تجنّب التعرض لعقوبات “قيصر”. ومتى تمّ التأكد من ذلك، تُمنح الموافقة المبدئية من قبل الوزارة، وتُمرّر إلى الكونغرس الأميركي لدرسها ومتى وافق على البنود يتم إصدار الموافقة النهائية، أي الموافقة (الإستثناء) الذي تطلبه مصر، وفي حال احتاجت البنود إلى تعديل، يتمّ لفت انتباه الدول المعنية.
مصادر معنية، أبدت لـ”ليبانون ديبايت” اعتقادها بأن هذا المسار “يأخذ وقتاً” ، مشددةً على أن مسارٍ كهذا يحتاج إلى عرضه على لجان في الكونغرس، واتخاذ القرار النهائي فيه ليس مسألة أيام أو أسابيع. وذكرت أن ثمة “لوبي” في الكونغرس لا يُخفي معارضته لمدّ لبنان بالطاقة سواء من الأردن أو مصر أو أي جهة أخرى، ويتماهى مع ممارسة سياسة “الضغط الأقصى” عليه، وقد يؤدّي نشاطه السلبي إلى تأخير البتّ بالإستثناء النهائي، هذا إلى جانب قضايا أخرى ليس أولها ولن يكون آخرها إقتراب مرحلة الإنتخابات الأميركية النصفية التي تأخذ حيّزاً كبيراً من اهتمام أعضاء الكونغرس.
وكان السيناتور جو ويلسون، قال عبر حسابه في “تويتر”، إن “قانون قيصر واضح. سيحاسب الكونغرس بايدن على أي تخفيف للعقوبات يُقدّم للأسد. لن تُحلّ أزمة الطاقة والإقتصاد في لبنان من خلال إثراء القاتل الجماعي الأسد ووكلاء إيران”.
ووصف عضو مجلس الشيوخ النائب تيد كروز، التسهيلات الأميركية بأنها، “نصيحة سيئة للغاية. على لبنان أن يقلق من انتهاك العقوبات الأميركية إلى جانب الدول المشاركة”.
وأكد كروز، أن الكونغرس لن يسمح لفريق بايدن بإثراء وكلاء إيران، و سيتمّ فرض العقوبات عليهم. الموقف نفسه أدلى به المبعوث الأميركي السابق في سوريا جويل ريبورن، فقال: إن الرئيس جو بايدن، يسيء تفسير القانون الأميركي عمدًا ليقدم لدول أخرى “ضمانات ستُجهض في اليوم الذي يتغير فيه الكونغرس، إن لم يكن قبل ذلك”. وهذه بشارة إلى طول أمد المباحثات حول الاستثناء الحقيقي وإشارة واضحة إلى المعركة الضارية المتوقع أن تشهدها عملية “منح الإستثناءات”.
هذا كلّه يقود إلى فكرة واحدة: تأخّر وصول الغاز، رغم أن الجانب الرسمي اللبناني وعبر وزارة الطاقة بشّر اللبنانيين خيراً بـ 10 ساعات تغذية، وفق المعلومات تكلّف 800 مليون دولار أميركي سنوياً، وهو مبلغ يمكن أن يُستثمر في مجال إنشاء معمل يوفّر عدد أكبر من الساعات!