جنين | شيّع الفلسطينيون، أمس، جثمان الشهيد سليمان الهذالين في قريته أم الخير في مسافر يطا جنوب الخليل، بعد رحلة طويلة قضاها في مواجهة المستوطنين وجنود العدو، والدفاع عن الأراضي الفلسطينية، ليستشهد متأثّراً بإصابته إثر دهسه من آلية تابعة لشرطة العدو، في الخامس من الشهر الجاري. «أيقونة المقاومة الشعبية»، «شيخ المسافر»… ألقاب أحبّ الفلسطينيون أن يطلقوها على الهذالين «أبو عادل» (75 عاماً)، لتصدّيه الدائم للاستيطان في مسافر يطا التي يهدّدها الإسرائيليون دائماً بالمصادرة، وتتعرّض لاعتداءات شبه يومية. وتضمّ هذه المنطقة 19 قرية يقطنها ما لا يقلّ عن 1500 فلسطيني، وتعاني من سوء الخدمات الحياتية وعدم توفّر البنية التحتية؛ بسبب تصنيف العدو لها مناطق «ج» بحسب «اتفاق أوسلو» وملحقاته. ويعيش الفلسطينيون فيها في الكهوف والخيام والمساكن البدائية، فيما تمنع إسرائيل البناء أو الترميم هناك، وتهدم معظم المشاريع الجديدة الهادفة إلى تحسين حياة السكّان، وتستولي على الأراضي بذرائع وأساليب مختلفة، منها: توسعة المستوطنات، وتصنيفها «أراضي دولة»، ومناطق عسكرية، وأماكن تدريبات للجيش. أمّا الأسلوب الأحدث والأكثر وحشية لتعزيز الاستيطان في مسافر يطا وغيرها، فهو ما بات يُعرف بـ«الاستيطان الرعوي»، حيث يطلِق المستوطنون مواشيهم نحو الأراضي الفلسطينية ويقيمون فيها، تزامناً مع اعتداءات متتالية قد تصل إلى إطلاق النار والضرب ودهس مواشي المزارعين الفلسطينيين أو سرقتها، علماً أن فلسطينيّي مسافر يطا، ومعظمهم من البدو، يعتاشون على الزراعة والثروة الحيوانية.
وتزامناً مع استشهاد الهذالين، عاد حيّ الشيخ جراح في القدس المحتلة إلى واجهة الأحداث مجدّداً خلال اليومين الماضيين، حيث سجّلت عائلة صالحية تجربة غير مسبوقة في التصدّي لقرارات الهدم والإخلاء الإسرائيلية، إذ بعدما اقتحمت قوات كبيرة من شرطة العدو الحيّ، وحاصرت منزلاً يعود إلى الشاب محمود صالحية، صعَد الأخير إلى سطح المنزل مع عائلته وأقاربه حاملين أسطوانات غاز، وقرّروا الاعتصام هناك، مهدّدين بإحراق البيت وتفجيره إذا اقتحمت الشرطة المكان. وصرخ صاحب المنزل: «مش طالعين من بيتنا، يا بنموت يا بنعيش، اللي بطلع من دار خاين»، وأضاف أمام كاميرات الصحافيين: «إصحوا، كل هذا الجبل رح يروح، وإذا أكلوني سيأكلوا كل الحارة». وعلى إثر ذلك، نفّذ جنود العدو عمليات تجريف وهدم لمشتل زراعي للعائلة، ولأرض مجاورة فيها معرض سيارات، ثمّ انسحبوا من الحيّ.

ويأتي هذا في وقت يُسجِّل فيه شهر كانون الثاني الجاري ارتفاعاً في وتيرة عمليات إطلاق النار صوب جيش الاحتلال ومواقعه، إذ شهد حتى الآن ما لا يقلّ عن 12 عملية إطلاق نار في الضفة الغربية، وخصوصاً في شمالها (جنين، نابلس وطوباس). والرصيد الأكبر من هذه العمليات نالته بلدة جبع جنوب جنين، والبؤرة الاستيطانية في بلدة بيتا جنوب نابلس، إضافة إلى المنطقة الشرقية في نابلس (بواقع عمليتَين في كلّ منطقة). واللافت، أيضاً، أن كلّ اقتحام تنفّذه قوات العدو لمنطقة قبر يوسف لحماية أداء المستوطنين طقوساً تلمودية داخله، أصبح أخيراً لا يمرّ من دون وقوع إطلاق نار يستهدف آليات الجيش. وعلى رغم الهدوء النسبي في قلب مدينة جنين ومخيمها بعد عملية «حومش»، إلّا أن المناطق الريفية والقرى الفلسطينية لا تزال تشهد عمليات إطلاق نار، ينفّذها المقاومون إمّا خلال الاقتحامات الإسرائيلية الليلية أو عند مرور الآليات الإسرائيلية من مداخل بعض القرى نحو المستوطنات الواقعة بين جنين ونابلس أو المُخلاة في جنين. وفي بلدة بيتا جنوب نابلس، يبدو أن مجموعة معيّنة لم يَعُد يروقها أسلوب المقاومة الشعبية أو الجماهيرية، بسبب رحيل المستوطنين عن بؤرة «أفيتار» واحتلال جيش العدو الأرض هناك، حيث تبدو فعاليات «الإرباك الليلي» كإشعال الإطارات وإلقاء الحجارة ذات تأثير محدود على الجنود، خلافاً لتأثيرها على المستوطنين، ولذا يبدو مفهوماً تصاعُد عمليات إطلاق النار نحو البؤرة الاستيطانية التي يتواجد فيها الجيش فقط اليوم.
وأكدت صحيفة «ميكور ريشون» الإسرائيلية، قبل أيام، أن «عمليات إطلاق النار تجاه جيش العدو والمستوطنين تضاعفت بشكل ملحوظ أخيراً في الضفة الغربية، بعد أن كانت نادرة نسبياً». وسجّل الشهر الجاري، حتى الآن، عملية دهس استهدفت جنود العدو قرب مستوطنة «حلميش» شمال غرب رام الله، وأدّت إلى إصابة أحدهم واعتقال المنفّذ، إضافة إلى محاولة طعن نفّذها الشهيد فالح جرادات من بلدة سعير، واستهدفت نقطة لقوات الحتلال عند مفترق مستوطنة «غوش عتصيون» شمال الخليل. ومن المتوقّع أن تشهد الأيام والأسابيع المقبلة المزيد من التصعيد، في ظلّ القرارات الإسرائيلية بهدم منازل منفّذي عملية «حومش» في بلدة السيلة الحارثية غرب جنين، خاصة أن الشهر الماضي شهد مواجهات عنيفة واشتباكات مسلحة أثناء اقتحام جيش العدو البلدة لأخذ مقاسات منازل المنفّذين، وقد توافدت آنذاك حشود كبيرة من الشبّان إلى السيلة، انطلاقاً من مخيم جنين وقرى مجاورة. كذلك، بات واضحاً وجود نشاط عسكري أشبه بالمنظَّم في بلدة بيتا جنوب نابلس، يهدف إلى إنهاك البؤرة الاستيطانية بإطلاق النار المتتالي عليها، فيما يمكن القول إن ظاهرة الاشتباك بالبندقية تجاوزت حدود جنين منذ أشهر طويلة، وهذا ما تُثبته عمليات إطلاق النار التي اتّسعت رقعتها أخيراً.