عماد مرمل-الجمهورية
تأويلات كثيرة خضع لها، ولا يزال، قرار حركة «أمل» و«حزب الله» بالعودة الى مجلس الوزراء من بوابة مشروع الموازنة وخطة التعافي وما يتفرّع عنهما من قضايا اجتماعية ومعيشية تخصّ الناس.. هل صُنع حقاً في لبنان؟ وماذا عن المؤثرات الخارجية؟
ربط البعض «الحركة التصحيحية» للثنائي بمسار العلاقات الإيرانية السعودية وما قيل عن احتمال إعادة فتح سفارة كل منهما لدى الآخر، وهناك مَن عزا المرونة المستجدة الى تطور مفاوضات فيينا حول النووي الإيراني، وذهب آخرون في استنتاجاتهم الى ابعد من هذه الحدود حتى كادوا يربطون تراجع الثنائي عن مقاطعة مجلس الوزراء بمستجدات أزمة كازاخستان! ولكن الحقيقة هي ابسط من ذلك بكثير كما تجزم اوساط «حزب الله»، مؤكدة انه لا توجد اي أبعاد خارجية لقرار تعليق مقاطعة مجلس الوزراء «والذي هو قرار محلي بلدي بامتياز، اتخذه الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله ورئيس مجلس النواب نبيه بري بمفردهما بعد التشاور بينهما، لضرورات المصلحتين الوطنية والحزبية».
وقد خضع البيان الذي صدر عن امل والحزب في خصوص استئناف الحضور الحكومي إلى مراجعة دقيقة وشخصية من قبل السيد نصرالله والرئيس بري اللذين أدخلا بعض التعديلات على المسودة التي وضعها مساعدوهما.
أما محاولة ربط التبدل في موقف الثنائي بمؤثرات خارجية فلا تستقيم مع الحقيقة، وفق اوساط الحزب التي تسخر من الفرضيات السندبادية العابرة للحدود، مشيرة الى ان الذين ربطوا قرار العودة إلى مجلس الوزراء بما يجري في عواصم اقليمية ودولية «هم من أصحاب المخيلة السياسية الواسعة ممن فقدوا الصلة بالواقع».
وتلفت الاوساط الى ان «القصة وما فيها هي ان الحزب والحركة أرادا تسهيل اي فرصة ممكنة لمعالجة هموم الناس، وسحب الذريعة التي يستعملها خصومهما للهجوم عليهما وتحميلهما مسؤولية ارتفاع سعر الدولار وتفاقم عوارض الازمة الاقتصادية، بعدما أضعفت المقاطعة الطويلة موقفيهما وسهّلت التصويب على الضاحية الجنوبية وعين التينة بذخيرة حية ومجانية».
وإضافة الى ذلك، أخذ «حزب الله» في الحسبان الشكوى المتصاعدة لحليفه الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر من مفاعيل التعطيل الحكومي وأثره السلبي على العهد في عامه الأخير، وهو الأمر الذي أدى إلى زيادة التوتر في العلاقة الثنائية التي تواجه اهتزازات قوية في هذه المرحلة، فارتأى الحزب إراحة حليفه البرتقالي قدر الإمكان وسحب احد الصواعق من متن العلاقة.
بناء على هذه الحيثيات، وجد الحزب ان الاستمرار في مقاطعة مجلس الوزراء أصبح مكلفاً وباتت أضراره تفوق إيجابياته سواء بالنسبة إلى صورة الثنائي او بالنسبة إلى مصالح الناس، وبالتالي اعتبر انه من غير الجائر التعامل مع تلك الحقيقة بمكابرة وعناد من شأنهما زيادة الخسائر الجانبية، «فكانت لديه شجاعة الاستدراك والتصحيح، لا سيما ان الظروف الحالية اختلفت عن تلك التي كانت سائدة عند اتخاذ قرار تعليق المشاركة في الجلسات الحكومية»، تبعاً لأوساطه التي تلفت الى ان الحزب وعلى رغم انه عقائدي في بنيته الا ان سلوكه ينطوي على مقدار من البراغماتية التي تفرضها خصوصيات الوضع اللبناني وتعقيداته.
وتشير اوساط الحزب إلى أنه «عندما اتخدنا مع الرئيس بري قرار المقاطعة كانت هناك مصلحة نابعة من ضرورة رفع الصوت الاعتراضي رفضاً لسلوك القاضي طارق البيطار، انما عندما طال الأمر وتفاقم تدهور العملة الوطنية وصاروا يحملوننا المسؤولية ويختصرون أزمة تمتد لعقود بتعطيل مدته أسابيع وجدنا ان المصلحة في هذا التوقيت تقتضي العودة إلى مجلس الوزراء».
وتضيف: لقد كان من حقنا ان نسعى الى الضغط عبر مجلس الوزراء لتصويب المسار القضائي في قضية المرفأ بعدما سُدت السبل الأخرى، الا اننا رفضنا في الوقت نفسه ان نصبح رهائن تلك المحاولة الى ما لا نهاية.
وتؤكد الاوساط ان المعركة ضد البيطار مستمرة في مواجهة التسييس والاستنسابية وهي لم تتوقف مع توقف المقاطعة لمجلس الوزراء، «وما تغيّر فقط هو التكتيك».
وتفيد المعلومات ان عودة الثنائي إلى مجلس الوزراء هي مبدئياً تحت سقف مناقشة الموازنة وخطة التعافي والأمور الاجتماعية والمعيشية، ولو انها عودة كاملة لكان الرئيس نجيب ميقاتي قد دعا الى جلسة لمجلس الوزراء فورا او هذا الأسبوع.
والأرجح ان ميقاتي غير منزعج من «الغموض البناء» المحيط بحدود رجوع امل والحزب الى اجتماعات مجلس الوزراء، إذ ما يهمّه بالدرجة الأولى مشروع الموازنة وخطة التعافي لأنهما يتعلقان بالتفاوض مع صندوق النقد، وهذا ما تحقق له عبر تشديد الثنائي على هذين البندين في معرض شرح حيثيات كسر المقاطعة.
بهذا المعنى، فإنّ تقنين مشاركة الثنائي في الجلسات الحكومية يفيد ميقاتي لتفادي طرح مسألة التعيينات التي تهم عون والتيار. ويشير العارفون الى ان بري وميقاتي غير متحمسين لإقرار التعيينات التي سيستحوذ التيار على حصة الاسد من شقها المسيحي، وهما لا يجدان ما يبرر إهداء عون والنائب جبران باسيل مثل هذه التعيينات في الأشهر الأخيرة من العهد وقبل فترة قصيرة من الانتخابات النيابية.