في مقاربتها لتفاصيل التطورات على المحور الحكومي، فإن مصادر ديبلوماسية مطّلعة، تتحدّث عن مراوحة لافتة تُسجّل في الوقت الراهن، في ظل غياب أي معطى إيجابي، لجهة معالجة أسباب المقاطعة التي ما زال يتمسّك بها وزراء حزب الله و “حركة أمل” لجلسات الحكومة، على الرغم من الظروف الضاغطة في أكثر من مجال إجتماعي وسياسي، وأيضاً أمني، مع تزايد النقمة في صفوف المواطنين على مختلف انتماءاتهم، وبدء الحديث في الأوساط النقابية عن أن التحركات الإحتجاجية التي تنطلق اليوم قد تستمرّ، ولن تنتهي بتوجيه رسالة إلى المسؤولين بضرورة لجم كل الخلافات والسجالات السياسية، والإلتفات والتركيز على المعالجات الإنقاذية قبل فوات الأوان، وانتشار الفوضى المجتمعية، والتي سبق وأن حذّر منها أكثر من مرجع أمني على تماس مع الحراك الذي حصل في محطات سابقة، وأدّى إلى الإطاحة بكل المعادلات الداخلية.
وبحسب هذه المصادر، فإن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، لم يتوقف عن مساعيه واتصالاته على الصعيدين الداخلي، كما الخارجي، من أجل استئناف الحكومة لجلساتها، وفي أقرب فرصة ممكنة، من أجل استغلال الفترة الفاصلة عن الإنتخابات النيابية، ومن أجل تأمين كل مقوّمات انتظام العمل في المؤسّسات الدستورية كافة، بعدما وصلت الأمور إلى الخطوط الحمراء لجهة تأمين سير الخدمات الحيوية على كل المستويات.
وفي هذا المجال، تكشف المصادر نفسها، أن التحركات التي يقوم بها رئيس الحكومة على مستوى المنطقة، من خلال التواصل مع الجهات العربية الداعمة لحكومته، يتزامن مع اتصالات يجريها مع باريس بشكل خاص من أجل التأكيد على استمرار الدعم للحكومة في المرحلة الراهنة، وتأمين المناخ القادر على تفكيك العقد التي لا تزال تعرقل مسار عملها وإنتاجيتها. لكن نتائج هذا التواصل لم تتّضح بعد، بحسب المصادر ذاتها، نظراً لانشغالات الخلية الفرنسية التي تتابع الوضع اللبناني عن قرب، بالواقع الفرنسي الداخلي لجهة الإنتخابات الرئاسية وجائحة كورونا، في ضوء قناعة باتت ثابتة لديها، بأن اللحظة اللبنانية الداخلية تتطلّب مقاربة إقتصادية واجتماعية أكثر مما تستدعي وساطة سياسية، ولهذه الأسباب، فإن المجتمع الدولي، وليس فقط الإدارة الفرنسية، يعتبر أن الرهان الأساسي في لبنان، وتحديداً لدى الحكومة، كما لدى المجلس النيابي، يجب أن يكون على تحقيق تقدّم ملموس في عملية التفاوض الجارية مع صندوق النقد الدولي، والتي وصلت إلى مرحلة متقدّمة ومصيرية، لجهة الدخول في التفاصيل حول البرنامج الذي سيتم الإتفاق عليه بين الحكومة والصندوق.
وبالتالي، فإن هذا الرهان سيتعرّض للخطر في حال استمرّ الإرباك السياسي، كما تضيف المصادر، ومن هنا، تأتي عملية تحريك الركود الحكومي، وإمكانات دخول أطراف وعواصم عربية وغربية على خط المساعي التي يبذلها الرئيس ميقاتي من أجل وضع حل عاجل لتعليق جلسات الحكومة.
وعلى الرغم من أن هذه المساعي لم تسلك طريقها نحو النجاح، فإن المصادر الديبلوماسية نفسها، تؤكد على وجوب استمرارها نتيجة التداعيات الخطيرة التي بدأت تسجّل على صعيد الملفات الداخلية المتّصلة بالمفاوضات مع صندوق النقد، وهو إقرار موازنة العام الحالي، كونها تكتسب أهمية إستثنائية هذا العام، لأنها سوف تحمل الإشارات الأكيدة من قبل السلطة إلى المجتمع الدولي حول جدّية الحكومة بالتزام سياسة مالية جديدة، واعتماد إجراءات إصلاحية حقيقية.