لا صوت يعلو فوق صوت أنين اللبنانيين ووجعهم وقد باتت الغالبية الساحقة منهم غير قادرة على تأمين قوتها اليومي وتعبئة خزان سيارتها لتأمين وصولها الى عملها بعدما بات مازوت وغاز التدفئة حلما بعيد المنال. يوم أسود جديد شهده لبنان يوم أمس مع تسجيل انهيار تاريخي غير مسبوق لسعر الصرف بتجاوز الدولار الواحد عتبة الـ ٣٣ ألف ليرة وملامسة صفيحة البنزين والمازوت كما قارورة الغاز عتبة الـ ٤٠٠ ألف ليرة. كل ذلك في وقت انشغلت الاروقة السياسية يوم امس بدعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للحوار، ففيما اعتبر قسم من القوى انه السبيل الوحيد للخروج من عنق الزجاجة، رأى القسم الآخر انه يندرج في اطار تضييع الوقت بانتظار وصول موعد الانتخابات النيابية، ما يشكل مهزلة لا يجب المشاركة فيها.
عون محاصر
وكان عون قد بدأ يوم أمس بمحادثات ثنائية لتبيان ما اذا كان سيوجه دعوة رسمية للاقطاب للحوار في بعبدا… الا انه وكما كان متوقعا توالت المواقف الرافضة للمشاركة وآخرها من رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية في ظل ترقب موقف مماثل لرئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط بعد ان كان قد سبقهما الى «المقاطعة» رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع.
وقالت مصادر قريبة من الرئيس عون لـ «الديار» انه سيتخذ قراره بالدعوة الى الحوار من عدمه مساء اليوم او على ابعد تقدير صباح يوم غد بعد ان يجري جوجلة لنتائج محادثاته الثنائية مع الاقطاب، مؤكدة انه حتى الساعة لا قرار نهائي بهذا الشأن.
من جهتها، اعتبرت مصادر سياسية مطلعة ان «عون وبدعوته الى الحوار في هذه الظروف أخطأ كثيرا باعتباره وكمن حاصر نفسه في الزاوية لانه كان يعي ان القسم الاكبر من خصومه لن يلبوا دعوته بهدف احراجه، وها هو اليوم غير قادر على اتخاذ قراره بسهولة، فالدعوة لحوار بمن حضر ستكون اضحوكة وغير مجدية، كما ان القرار بعدم الدعوة للحوار سيفسر على انه تراجع من قبله وسقطة جديدة للعهد المترنح».
اما ابرز اللقاءات التي عقدها عون امس فكانت مع رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد الذي اكد تأييد الحزب الدعوة للحوار معتبرا ان «البلد في زمن الشدة والضيق هو احوج الى عدم الانقطاع من الحوار». وأضاف «ندعو شركاءنا في الوطن الى التحلي بالعقل والحكمة والتخلي عن المزايدات والتفكير بان هذا البلد هو بلدنا وباننا معنيون بعدم اخذه الى الهاوية وبأن ما يبنيه بعد الهاوية هو نحن ليس غيرنا لان غيرنا سيبقى خارج البلد ونحن اسياد البلد نحن المواطنون اللبنانيون».
اما رئيس تيار المردة سليمان فرنجية فقال بعد لقائه عون: «جاهزون في أي يوم يستدعينا الرئيس عون ولا مشكلة شخصية معه ، بالعكس نلتقي معه استراتيجيًّا»، لكنه اضاف: «نحن لا نؤيد حواراً للصورة وأي قرار يأخذه الفريق الذي سيجتمع، والذي سيكون فريقنا، سنوافق عليه ولن نحضر الى الحوار من أجل الصورة أي أنّنا لن نشارك».
لا سقف للدولار
وعلى وقع لقاءات بعبدا كان الدولار يقفز لعتبة الـ ٣٣ الفا والمحروقات الى مستويات غير مسبوقة مع وصول صفيحة البنزين لعتبة الـ ٣٧٥ الف ليرة، المازوت ٣٩٥ الف ليرة وقارورة الغاز لـ ٣٤٦ الفا، ما انعكس تلقائيا ارتفاعا اضافيا بأسعار السلع الغذائية والمواد الاستهلاكية كافة.
ونبهت مصادر مالية الى ان لا سقف لسعر الصرف الذي بات واضحا انه تتحكم به اجندات سياسية الارجح خارجية، وقالت لـ «الديار:» «وحدها تسوية سياسية قادرة على لجم الارتفاع المتواصل بسعر الصرف… اما عودته الى مستويات منخفضة فمرتبطة بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي لا يبدو انها ستصل الى نتائج عملية قبل الانتخابات النيابية المقبلة».
وبالامس وقف المواطنون بالطوابير امام الافران في ظل مخاوف من انقطاع الخبز، ما دفع نقيب أصحاب الأفران في جبل لبنان أنطوان سيف الى التأكيد ان «الرغيف متوافر، ولكن قد يكون بشكل غير كافٍ اليوم في السوق والسبب يعود لقلّة وجود القمح في المخازن والمطاحن لا تملك المخزون الكافي». وكشف سيف انّ «آلاف ربطات الخبز تهرّب إلى سوريا وكذلك الطحين وعلى الدولة ضبط هذا الأمر».
من جهتها، أكدت نقابة مالكي ومستثمري معامل تعبئة الغاز المنزلي برئاسة النقيب انطوان يمين في بيان أن «أصحاب هذه المعامل يتكبدون خسائر لا يستطيعون الاستمرار فيها أسبوعيا»، متسائلة «أين جعالة صاحب المعمل ومصاريف تشغيل المؤسسة من عمال ومازوت وكهرباء ومالية وضرائب»؟
سلامة ممنوع من السفر ؟
في هذا الوقت، أصدرت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون مذكرة منع سفر بحراً وجواً وبرا بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بناء على الشكوى المقدمة من الدائرة القانونية لمجموعة الشعب يريد اصلاح النظام ممثلة بالمحاميين هيثم عزو وبيار الجميل. وذكرت قناة الجديد نقلاً عن القاضية عون أنَّها تواصلَت في هذا الشأنِ معَ المدّعي العامِّ التمييزي غسان عوديات والمديرِ العامِّ للأمنِ العامّ اللواء عباس ابراهيم لكن من دون ان توضحَ موقفَ كلٍ من الجهازين القضائي والامني ومدى موافقتهما على قرارها، لا سيما انها اعترفت ان اللواء طوني صليبا رئيس جهاز امن الدولة رفض التجاوب معها وكشفت أنّها سوف تَستدعي سلامة إلى جلسةٍ يومَ الخميس وإذا لم يحضُرْ فستكرّرُ الدعوةَ مرةً واثنتينِ قبلَ أن تُصدِرَ بلاغَ بحثٍ وتحرٍّ بحقِّه. وكشفت عون أنّها اتَّخذت قرارَها هذا بعدَ عَشَرةِ أيامٍ من الاستجواباتِ شَمِلت عدداً مِن مديري المصارف «ووصَلَت الى قناعة انو حرام ما يتوقف».
وردت النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون على ما ورد في نشرة اخبار «الجديد»، وقالت في بيان: «تصويبا لما ورد في نشرة اخبار المساء على «الجديد»، ورد في هذه النشرة اني قلت عن رياض سلامة «حرام ما يتوقف» هذا غير صحيح بتاتا. انا لم اقل هذا الكلام على الاطلاق، ونحن كنيابة عامة نطبق دائما المبدأ القائل: ان كل انسان بريء حتى تثبت ادانته، إنما حفاظا على الادلة اصدرت قرارا بمنع السفر».