مواقف الرئيس ميقاتي جاءت خلال رعايته حفل إطلاق التقرير المحدّث لواقع البيئة في لبنان، الذي هو ثمرة تعاون مشترك بين وزارة البيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان، وبالشراكة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللآجئين واليونيسف.
حضر الحفل نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي، وزير السياحة وليد نصار، وزير البيئة السابق دميانوس قطار، الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكيّة وعدد من السفراء والمعنيين.
بداية ألقت رئيسة مصلحة الديوان في وزارة البيئة نانسي خوري كلمة ترحيبية، وثم كانت كلمة لوزير البيئة الدكتور ناصر ياسين قال فيها: “عندما نتفحّص التقرير المحدّث لواقع البيئة في لبنان، وهو ثمرة تعاون بين وزارة البيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان، بالشراكة من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين واليونيسف، مشكورين على الشراكة الدائمة، تستوقفنا أرقام ثلاث – بالإضافة إلى الرقم المتعلّق بالكلفة السنوية للتدهور البيئي، والمقدر بأكثر من 2,3 مليار دولار سنوياً:
1- في الفصل المتعلّق بالنفايات الصلبة، يتناول التقرير كلفة تأهيل المكبّات العشوائية في لبنان والتي قارب عددها ال 1000 (بين مكبّاً عشوائياً للنفايات المنزلية، ومكبّاً عشوائياً لنفايات الردميات) بناء على دراسة اجرتها وزارة البيئة وبرنامج الامم المتحدة الانمائي، حيث جاء أن كلفة تأهيل المكبّات العشوائية الاكثر اولويّة وحاجة تبلغ حوالي 35,66 مليون دولار أميركي، فيما الفوائد والاثر المتوقع من تأهيل هذه المكبّات، بحسب الدراسة، تتراوح بين 32,85 مليون دولار أميركي (ألمقاربة المتحفظة) و64,59 مليون دولار أميركي (المقاربة الواقعية)… أي بمعنى آخر، إنّ إقفال المكبّات العشوائية وتأهيلها لن يكلّف الخزينة ليرة واحدة، إذا ما قمنا باحتساب حقيقي يتضمّن عائد البعد البيئي للاستثمار في التأهيل، لا بل أكثر سيوفّر على الخزينة . لذلك لا بد أن نسأل ونتشاور ونقرّر معاً ماذا نريد:الاستمرار في الكب العشوائي للنفايات وتكبيد الخزينة كلف باهظة بمئات ملايين الدولارات، ناهيك عن الأضرار البيئية والصحيّة والاقتصادية التي يصعب عكسها؟أو الانتقال إلى الاقتصاد الدائري، وتقبّل المطامر الصحيّة كجزء من المعالجة النهائية وهذه الدورة،بكلفة أقلّ من الكبّ العشوائي، دون الحديث عن الفوائد البيئية والصحية والاقتصادية الكبيرة على المديين المتوسط والبعيد؟
2- في الفصل المتعلّق بالنظم الايكولوجية، يتناول التقرير القيمة الفعلية للنظم الايكولوجية في لبنان والتي يقتضي أن نقدّرها بشكل أعمق وأفضل، من القيمة البيئية إلى القيمة الاقتصادية والاجتماعية وصولاً إلى الهويّة الوطنية. فيتوقّف التقرير عند دراسة سابقة كانت قد أجريت حول محميّة أرز الشوف في العام 2015 والتي قدّرت معدّل القيمة الاقتصادية السنوية للمحميّة بـ 19 مليون $، مستنتجة أن العائد الذي يؤمّنه الاستثمار في المحميّة يصل إلى 19 ضعف قيمة هذا الاستثمار، من فوائد بيئية وصحيّة واجتماعية وسياحية واقتصادية. والمعادلة نفسها تقتضي أن تنطبق على المحميّات الطبيعية الـ 17 الأخرى والمواقع الطبيعية والحمى، التي يتغنّى بها لبنان واللبنانيّون من شماله إلى جنوبه مروراً بالبقاع وجبل لبنان، كما وعلى عشرات المحميّات والمواقع والحمى الأخرى التي هي في طريقها إلى القوننة. ما يحتّم السباق الإيجابي لخلق مناطق محميّة مماثلة في كل منطقة وقرية من قرى لبنان، كونه ما من منطقة إلّا وتتمتّع بمزايا طبيعية تخوّلها انشاء محميّة طبيعية، أو موقع طبيعي، أو حمى على بعض عقاراتها. لذلك هنا أيضاً علينا أن نقرّر معاً ماذا نريد:الاستمرار في قضم الجبال والتمدد العمراني العشوائي وتهديد نوعيّة الحياة وهويّة الوطن،ناهيك عن الفرص الضائعة في السياحة والاقتصاد المحلّي وسمعة البلدات والقرى؟أو احترام القوانين والأنظمة في البناء ومعدّلات الاستثمار، والتخطيط لحماية المواقع الغنيّة طبيعياً،حفاظاً على البيئة وحماية للصحة العامة وتنمية للاقتصاد؟
3- في الفصل المتعلّق بالحوكمة البيئية، يتناول التقرير موضوع الضمانات البيئية، Environmental Safeguards والتقدّم الملحوظ الذي جرى في العقد الأخير لجهّة إقرار الأنظمة ذات الصلة. وهنا، إذا ما راجعنا أرشيف وزارة البيئة، يتبيّن أنّه في العام 2012، قبل إقرار المراسيم المتعلّقة بالضمانات البيئية، كان عدد الشركات الاستشارية البيئية حوالي 20-25 شركة، ليصبح هذا العدد اليوم حوالي 50 شركة. وهذا ليس إلا مؤشراً واحداً لفرص العمل التي يمكن خلقها في قطاع البيئة من خلال إقرار القوانين والأنظمة اللازمة، وتطبيقها طبعاً. فلنتخيّل إذاَ عدد فرص العمل الذي يمكن استحداثه اذا ما فعّلنا العمل في انفاذ جميع هذه القوانين، لا سيّما الرقابة البيئية، الاقتصاد الدائري واللامركزية في إدارة النفايات، انشاء مناطق محميّة جديدة، تأهيل الأراضي المتضرّرة، وغيرها. لذلك، هنا أيضاً علينا أن نسأل ونتشاور ونقرّر معاً ماذا نريد الاستمرار في التساهل في تطبيق القوانين وعدم احترام الأنظمة البيئية وبالتالي تقليص فرص العمل المستدامة،ناهيك عن الضرر البيئي والصحي وسمعة الدولة إدارات وأفراد؟أوالتعاون في تطبيق القوانين واحترام الأنظمة البيئية ، وبالتالي زيادة فرص العمل والحد من الهجرة، واسترداد لبنان الذي نريد؟
هذه الأرقام الثلاث ليست إلا عيّنة عمّا يعنيه العمل في قطاع البيئة من الناحية الاقتصادية ونحن في مرحلة التأسيس للتعافي الاقتصادي. فالعمل البيئي إذاَ ليس ترفاً انّما حاجة بيئية-صحية-اقتصادية-اجتماعية-ثقافية-حوكمية-وطنية، فالعمل في “البيئة البنيّة” Brown Environment (نفايات صلبة؛ تلوّث صناعي؛ وغيره) يوفّر على الخزينة أضعاف الكلفة التي ننفقها؛والعمل في “البيئة الخضراء” Green Environment (تنوّع بيولوجي؛ محميّات ومواقع طبيعية؛ وغيره) يؤمّن عائد ومداخيل للخزينة تفوق الاستثمار بأشواط؛والعمل في “الحوكمة البيئية” Environmental Governance يخلق فرص عمل مستدامة تساهم في الحدّ من الهجرة وتؤسس للتعافي المستدام.
والتوصيات المتّصلة بكل فصل من فصول التقرير المحدّث لواقع البيئة في لبنان، هي التي نعمل عليها في وزارة البيئة، ضمن محاور العمل التي أعلنت عنها لدى استلامي لحقيبة البيئة في أيلول الماضي، وهي:الحوكمة البيئية،الموارد المائية،نوعية الهواء،النظم الايكولوجية ،موارد الاراضي،الامتداد العمراني العشوائي،النفايات الصلبة، تغير المناخ وادارة المواد الكيمائية
وذلك بالشراكة مع الفرقاء المعنيين كافة من القطاعين العام والخاص، والمجتمع المدني، والمنظمات البيئية والهيئات الأكاديمية والمجتمع الدولي، والذين نثمّن جهودهم.
إنّها لمناسبة للتقدّم بالشكر من كلّ من ساهم في اعداد التقرير الذي نطلقه اليوم والكوكبة المميزة من الباحثات والباحثين واخص بالذكر الدكتورة منال مسلم والدكتور ناجي شامية، على أن تصدر النسخة العربية والنسخة الفرنسية في نهاية هذا الاسابيع القادمة. والشكر أيضاً لمعالي وزراء البيئة السابقين الذين اغنت بصماتهم هذا التقرير، لا سيّما الوزير دميانوس قطّار، الذي أنجز هذا التقرير في ولايته، والوزراء فادي جريصاتي، وطارق الخطيب، ومحمّد المشنوق، وناظم الخوري، ومحمّد رحّال، الذين تناوبوا على الوزارة خلال السنوات العشر التي يركّز عليها هذا التقرير (2010-2020).
صحيحٌ أنّ هذا التقرير مرجع مهمّ لكل من يعنى أو يهتمّ بشؤون البيئة، لناحية توصيف الواقع بجوانبه كافة من جهّة وتقديم التوصيات من جهّة أخرى. انّما تبقى الاستفادة الأكبر، والتي نطمح إليها جميعاً، في تنفيذ هذه التوصيات بمثابرة وفعالية، وبالتعاون بين جميع المعنيّين، حماية للبيئة وتحقيقاً للتنمية المستدامة.
ونوّه الرئيس ميقاتي في كلمته بالجهد الذي بذله معالي وزير البيئة ناصر ياسين، لانجاز هذا التقرير المحدّث لواقع البيئة في لبنان، والذي يحمل عنوانه اشارة لافتة هي” تحويل الأزمات إلى فرص”، للدلالة على أنّه ما زال ممكناً تصحيح الضرر البيئي في لبنان“.كما حيا “ايضا فريق عمل وزارة البيئة، على صموده الوطني ومثابرته الإدارية ومقاومته البيئية رغم كل التحديات، خدمة للوطن وللمواطن”.
وعن الواقع السياسي قال “أجدد تأكيد السعي الى عودة الحكومة سريعا ً الى الاجتماع حتى تنتظم أمور البلد والناس، ونتابع مسيرة الإنقاذ قبل ان يغدرنا الوقت ونصبح ضحايا أنفسنا . لبنان يستحق كل تضحية ، واللبنانيون يتطلعون الى عودة الحياة الى لبنان، وإنقاذه من مخاطر الإفلاس والتدهور.ونحن فخورون بصداقات لبنان الدولية ونشكر كل إهتمام وحرص على مساعدة لبنان للنهوض وإستعادة دوره على الساحتين الاقليمية والعالمية، لكن الجهد الاول مطلوب منا نحن اللبنانيين . من هنا واجبنا وقف التعطيل والعودة الى طاولة مجلس الوزراء لانجاز ما هو مطلوب.
وفي هذه المناسبة لا بد أيضا من توضيح ما استجد بالامس من امور لها علاقة القضاء، وفي هذه السياق اقول ليس صحيحا أننا تدخلنا في عمل القضاء او في شأن اي قرار يتخذه القضاء، وجل ما شددنا عليه، ليس الدفاع عن أشخاص بل الحفاظ على المؤسسات،واتباع الاصول في التعاطي مع اي مسالة تتعلق باي امر قضائي، ومنها ما يتعلق بواقع المصارف انطلاقا من اولوية الحفاظ على حقوق المودعين وفي الوقت نفسه عدم ضرب ما تبقى من مقومات اقتصادية ومالية تبقي هذا الوطن واقفا على قدميه بالحد الادنى.
وطالما أننا على مشارف إنجاز المهمات الاساسية التي نعمل لتحقيقها فأننا مستمرون في المهمة التي قبلنا المسؤولية على اساسها وندعو الجميع الى التعاون معنا لانجاح هذه المهمة بما يعيد العافية الى لبنان واللبنانيين .
وعن مناسبة اللقاء قال: “في موضوع البيئة تحديداً، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، عادت بي الذاكرة لدى قراءة مقدّمة التقرير الذي نطلقه اليوم إلى العام 2012، يوم أطلقت الحكومة التي كنت ارأسها التقرير الوطني نحو التنمية المستدامة بمناسبة مؤتمر الأمم المتحدة حول التنمية المستدامة المعروفة ب (قمّة ريو+20) والتي رأست الوفد اللبناني إليها في حزيران 2012. يومها خلص التقرير الى القمة الى اربع توصيات نستعيد منها اليوم اثنتين على ارتباط وثيق بواقعنا الحالي.
اولا: إنشاء محكمة بيئية عالمية بعد الهجوم المتعمد الذي شنته القوات الجوية الإسرائيلية في تموز/2006 على مستودعات النفط في الجية وادى إلى أسوأ تسرب نفطي يسجّل في تاريخ شرق البحر الأبيض المتوسط. وها هو لبنان اليوم، بعد مرور أكثر من خمسة عشر عاماً على هذه الكارثة، لم يقبض فلساً واحداً من التعويض البيئي المقرّ له بقيمة 856,4 مليون دولار في العام 2014، بالرغم من صدور ستة عشر قراراً من الجمعيّة العامة للأمم المتحدة لتاريخه ، وآخرها قبل أسابيع ما يدفع وزارة البيئة إلى دق أبواب المانحين لدعم برامجها، إذا ما عجزوا عن تأمين حقوقها وفق القانون الدولي.
اما التوصية الثانية في التقرير الذي رفعناه يومها الى قمة” ريو ٢٠ “فكانت إعادة تأكيد حق الفلسطينيين في العودة حيث يصعب الحديث عن التنمية المستدامة في منطقة لا يزال ملايين اللاجئين فيها يعيشون في ظروف لا تحتمل. وها هو لبنان اليوم، بعد مرور عشر سنوات على التقرير المذكور، يستضيف اللاجئين الفلسطينيين، وأيضاً أكثر من مليون نازح سوري منذ ما يقارب العشر سنوات. فعن أيّ بيئة نتكلّم عندما يُفرض على بنية تحتية بيئية، بالكاد مكتملة بنسبة ثلاثين في المئة أصلاً، استيعاب أكثر من مئة وثلاثين في المئة من قدرتها القصوى في حال كانت مكتملة؟
لقد أخذنا على عاتقنا، وبهدف تحقيق أقصى النتائج بيئياً، السير قدماً في ادماج البيئة في خطة التعافي والمشاورات ذات الصلة مع صندوق النقد الدولي، بحيث تكون المقاربة متكاملة وتبنى على أسس مستدامة. لذلك، وبالتعاون مع البنك الدولي، سندعو الشهر المقبل إلى مؤتمر حول التعافي الأخضر ضمن برنامج التعاون بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي، على أمل أن تلقى اقتراحاتنا ونداءاتنا التجاوب المطلوب من الشركاء المحليين والدوليين، متوجهين بالشكر من الأمم المتحدة وسائر الشركاء الدوليين والإقليميين، وكل من ساند ويساند لبنان في تجاوز أزماته، وما أكثرها”.