الأخبار
لكن خلافاً لردّ بري، تؤكد مصادر القصر الجمهوري أن المادة 33 من الدستور شديدة الوضوح ولا تحتمل التأويل أو الاجتهاد، بل تنص بشكل جليّ على أن «لرئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة أن يدعو مجلس النواب إلى عقود استثنائية بمرسوم يحدد افتتاحها واختتامها وبرنامجها. وعلى رئيس الجمهورية دعوة المجلس إلى عقود استثنائية إذا طلبت ذلك الأكثرية المطلقة من مجموع أعضائه».
من هذا المنطلق تستغرب مصادر القصر الجمهوري أن «يثير مرسوم وصل إلى القصر يحمل إمضاء رئيس الحكومة ثم مُهر بإمضاء رئيس الجمهورية، غيظ رئيس مجلس النواب إلا إذا كان الغرض من وراء ذلك فرض حصرية الصلاحية لنفسه وهو ما كان يجري منذ الطائف حتى استلام الرئيس عون». وتؤكد المصادر أن «عون يبحث في زوايا الدستور عما تبقى من صلاحيات للرئيس ليستخدمها بالكامل، لكنه هذه المرة استخدم صلاحياته لتسهيل عمل المجلس النيابي والحكومة وحتى يتمكن المجلس من مواكبة الحكومة بالتشريعات اللازمة لإعداد خطة تعاف مالي. فالنية لم تكن العرقلة أو التعدّي على الصلاحيات بل ذكر المرسوم في أوله عبارة القوانين والمشاريع التي يقرر مكتب المجلس طرحها على المجلس». وتعتبر المصادر أن «الردّ بابتداع عُرف ناشئ خلافاً للنص الصريح لا يستقيم لا بالدستور أو بغيره»، سائلة عن «علاقة ما سبق بإجابة بري أن المجلس سيد نفسه»؟. لتختم: «نربأ ببري وهو رئيس السلطة الاشتراعية أن يتجاهل نصّاً بهذا الوضوح ولن نُحمّله سوء نية بالاعتبار أنه يقوم بقضم إضافي لصلاحيات رئيس الجمهورية».
وبينما ربَط أكثر من مصدر تجدّد الأزمة بالاتصالات التي تمّت لتأمين صدور مرسوم الدعوة إلى فتح دورة استثنائية والتي ظهرت كمحاولات متبادلة بينَ بري وعون لكسر بعضهما البعض، إذ «أتى توقيع عون الذي جرى التوافق عليه خلال زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لبعبدا وانضم إليها بري عبر الهاتف»، قالت مصادر مطلعة إن «التوقيع حصل بعد الكلام الذي نقله ميقاتي إلى عون بأن برّي يسعى إلى محاصرته بعريضة نيابية وأنه يؤمّن في جيبه حوالي 68 توقيعاً، بالتالي فمن الأفضل أن تخرج الموافقة من بعبدا بدلاً من أن تظهر بأن حصلت من دون موافقتك».
هذا الكلام يكرره مقربون من برّي بأن «الدورة الاستثنائية كانت مضمونة وهذا ما دفع عون إلى توقيعها»، لذا «حاول أن يردّ بفرض جدول الأعمال، لكنه استخدم الصلاحيات المكرسة له في الدستور بشكل مخالف للقانون في محاولة تندرج في سياق التحدي ضد رئيس المجلس». ويعتبر خصوم عون أن ما قام به الأخير «يُستدّل منه نية لمقارعة رئيس المجلس من داخل المجلس»، مشيرين إلى أن «السلطة الإجرائية تحدّد للبرلمان البرنامج، لكن عمل الهيئة العامة لا يكون محصوراً بهذا البرنامج فقط، لأن هيئة مكتب المجلس تستطيع أن تضيف أي اقتراح أو مشروع قانون تريده لأن المجلس سيد نفسه». وبينما دافعت مصادر نيابية عن المرسوم باعتبار أن «تحديده للقوانين جاء من باب التذكير لا من باب الإلغاء»، لم يجد خصوم عون تبريراً سوى أن «ما فعله الأخير هو التفاف على فكرة الصلاحيات وبأنه لا يوجد قانون يتحدث عن وجود صلاحيات خارج إطار الصلاحيات المطلقة للمجلس».
«المجلس ليس سيّد نفسه»
من جهته، يسترجع أستاذ الأعمال التطبيقية للقانون الدستوري في الجامعة اليسوعية وسام اللحام، محاضر جلسات مجلس النواب في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات ليشير إلى أن «هذه المحاضر تُسجل اعتراض النواب خلال الجلسات على التباحث في ما يطرح من خارج مرسوم الدعوة، مما كان يقودهم إلى إيقاف النقاش. حتى أنه تم تكريس هذا الأمر في نظام مجلس النواب القديم بأن يناقش المجلس فقط البنود المحددة في مرسوم الدعوة إلى فتح عقد استثنائي». ويشرح اللحام أنه قبيل العام 1926 أي قبل تحوّل المجلس التمثيلي إلى مجلس نواب، كان تنظيم أعمال المجلس يتم عبر قرار يصدره المفوض السامي. وينص هذا القرار على أن المجلس ينعقد في دورات عادية واستثنائية يدعو إليها حاكم دولة لبنان الكبير الذي هو بمثابة رئيس جمهورية؛ على أنه لا يجوز للمجلس مناقشة أي بنود إضافية سوى تلك المدرجة في المرسوم الصادر عن الحاكم عند الدعوة إلى دورة استثنائية. بعد ذلك، كان رئيس الجمهورية يعمد إلى تعديل مرسوم جدول أعمال المجلس النيابي وإصدار مرسوم آخر عند طلب مجلس النواب إضافة بعض البنود. حتى أن الدستور نفسه يشير إلى أن الدورات الاستثنائية تختلف عن الدورات العادية، فخلال الدورة العادية يحق لمجلس النواب تعديل الدستور، ولكنه يمنع المجلس من القيام بالأمر نفسه خلال الدورة الاستثنائية إلا بموجب مرسوم من الحكومة. بموازاة ذلك، فإن مقارنة بعض مستشاري بري بين الدستورين الفرنسي واللبناني بالإشارة إلى أنه يمكن للمجلس الفرنسي مناقشة ما يشاء من دون العودة إلى أحد، لا تنطبق على الوضع القائم. ويقول اللحام إن النص الفرنسي مختلف عن اللبناني ولا تجوز المقارنة بينهما: «الفرنسيون الذين وضعوا دستورنا عمدوا إلى تقوية السلطة التنفيذية فأضافوا صلاحية وضع برنامج الدورة وجدول الأعمال على النص». أما في ما خصّ عبارة «السيد مجلس نفسه»، فيعلّق اللحام أن هذه البدعة بدأت على أيام رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني الذي كان يعتبر أن مجلس الوزراء يقيّد صلاحيات البرلمان. وفي كل الأحوال، «إن كان ثمة خلاف حول هذه النقطة، لا يمكن أن يحسمها مجلس النواب لأنها تؤدي إلى إخلال في مبدأ توازن السلطات وخرق للدستور، بالتالي الفاصل في هذا النزاع هو المجلس الدستوري. فالمجلس ليس سيداً على الدستور وعلى سائر مؤسسات الدولة بل فقط على نظامه الداخلي الذي يُفترض إدراجه تحت رقابة المجلس الدستوري أيضاً. فضلاً عن أن قرار الالتزام بجدول أعمال مرسوم الدورة الاستثنائية أو الخروج عنه لا يفترض أن يحدد من قبل رئيس مجلس النواب بل من مجلس النواب».
ما يريده الرئيس
أدرج رئيس الجمهورية في المرسوم 8662 بالتوافق مع رئيس مجلس الوزراء سلسلة بنود يراها ملحة وأبرزها مشاريع أو اقتراحات القوانين الطارئة المتعلقة بالإصلاحات أو بخطة التعافي المالي أو بالأوضاع المعيشية الملحة التي يقرر مكتب المجلس طرحها على المجلس، لا سيما اقتراح القانون الرامي إلى تمديد العمل بالقانون رقم 200/2020 القاضي برفع السرية المصرفية عن حسابات مصرف لبنان، اقتراح القانون المتعلق بوضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على التحاويل المصرفية (كابيتال كونترول)، اقتراح قانون استعادة الأموال المحولة إلى الخارج ومشروعيّ قانونيّ الموازنة العامة للعامين 2021 و2022. كذلك أدرج عون على جدول الأعمال عقد جلسة لمساءلة الحكومة ومشاريع أو اقتراحات قوانين ملحة تتعلق بالانتخابات النيابية.