اندريه قصاص -لبنان24
لم نعد نعرف ماذا يريد أولئك الذين يصرّون على تعطيل البلد. قُدّم لهم ما لا يُقدّم. حتى “لبن العصفور” لم يُعزّ عليهم. هؤلاء يتصرّفون وكأن البلاد في ألف خير، أو كأن لا جوع على الأبواب، ولا فقر يجتاح كل لبنان، من شماله إلى جنوبه، ومن سهله إلى ساحله. لا يظن أحد أن بيئته محصّنة، وأن رواتب موظفيه مؤّمنة، وبـ”الفريش دولار”، وأن شظايا الإنفجار الإجتماعي لن تطالها. على الجميع أن يفهموا أن ثقب باخرة الوطن آخذ في الإتساع يومًا بعد يوم، وأن كل يوم يمرّ من دون إشتراكهم جميعًا في التفتيش عن حلّ ما، أو المساهمة الجدّية في إيجاد ما يخفّف عن كاهل المواطن، إلى أي طائفة أو منطقة إنتمى، أذى ما هو آت ، فإن الباخرة ستغرق بمن فيها عاجلًا أم آجلًا.
لا تزال إمكانية تخليص لبنان من إرتطامه الوشيك متاحة، ولكن شرط أن “يشمّر” الجميع، ومن دون إستثناء، عن سواعدهم. فورشة الإنقاذ تحتاج إلى تكاتف وتشابك كل الأيدي، لأن يدًا واحدة لأعجز من أن تصفّق وحدها. هل يمكن لعاقل أن يصدّق أن من “يتهرّب” من تحمّل مسؤوليته الوطنية في هذا الظرف المصيري الخطير يتلطّى وراء حجّة لا يمكن أن تقلي عجّة. إلاّ إذا كان ثمة اسباب أخرى غير تلك التي يُحكى عنها، خصوصًا أنه من غير المنطقي رهن مصير بلد بإمه وأبيه بشرط يمكن أن يُحلّ بكل بساطة عبر المؤسسات الدستورية، ووفق الأنظمة المرعية الإجراء، ومن دون وضع شروط مسبقة وإستعمال لغة التهديد والوعيد.
فأمام مصير الوطن تهون التضحيات، ويصبح التراجع عن بعض المطالب البسيطة من بديهيات الأمور المطلوبة. أمّا إذا إستمرّ كل فريق أو كل طرف في ممارسة سياسة النكد على طريقة “عنزة ولو طارت”، فإن الوضع آيل إلى المزيد من التدهور الحتمّي، وأن الإرتطام المنتظر قد يصبح وشيكًا، وهو بات على قاب قوسين أو أدنى.
لا نريد أن نذهب بعيدًا في تظهير ما يساور المواطنين من شكوك حيال تصرّفات البعض غير المفهومة، لأننا نؤمّن بأن بعض الظنّ إثم، وأنه غير مسموح لأحد أن يحكم أو يحاكم الآخرين على أساس النيات، ولكن حيال ما يعتمده البعض من سياسات كيدية، خصوصًا لجهة عدم التجاوب مع ما يُطرح عليهم من حلول أو مخارج حلول، يدفع بكثير من الناس إلى التساؤل عمّا يخفيه هذا البعض، وعمّا يريده حقيقة.
فإذا كان مطلب تحقيق العدالة هو مطلب هذا البعض فإن جميع اللبنانيين يريدون هذا الأمر، ويصرّون على أن تصل التحقيقات القضائية إلى كشف حقيقة إنفجار العصر، خصوصًا إذا ما رُفعت التدخلات السياسية عن العمل القضائي، وترك “ما هو لقيصر لقيصر…”
إذا كنتم تريدون فعلًا إظهار الحقيقة إتركوا القضاء في حاله. إرفعوا الحصانات عن جميع من تحوم حولهم الشبهات. لا تُقحموا مجلس الوزراء في أمور لا علاقة له بها. إحترموا فصل السلطات. إبتعدوا عن سياسة الشروط والشروط المضادة. إنخرطوا في خطة التعافي. كونوا جزءًا من دولة الجميع. كونوا لبنانيين قبل أي شيء آخر.
وبعد، نقول مع القائلين إن نجيب ميقاتي هو آخر خرطوشة للإنقاذ. فلا ندفعه إلى حافة اليأس. الرجل صبر كثيرًا. هو كما نعلم على إستعداد لبذل ما لا يبذل من أجل إيصال سفينة الوطن إلى برّ الأمان. لكنه غير قادر على فعل أي شيء. فإذا كنا لا نريد أن نمدّ أيدينا ونشبكها مع غيرنا في ورشة تتطّلب عملًا إنقاذيًا جماعيًا، فعلى الأقّل لنوقف ممارسة سياسة وضع العصي في الدواليب، ولنترك الرجل يعمل مع من يريد فعلًا خلاصًا لهذا البلد.