ما هي خلفيات “وعد” ميقاتي بعقد جلسة لمجلس الوزراء؟ وهل هناك من قطبة مخفية؟ السيناريوهات لا توحي بال “فرج”… وما هي الضمانات بعدم تفجير الحكومة من الداخل؟
الديار
حملت زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أمس الأول إلى قصر بعبدا مفاجأة بإعلانه الإتفاق مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على فتح دورة إستثنائية لمجلس النواب وأنه سيقوم بدعوة مجلس الوزراء إلى الإنعقاد عن إستلام موازنة 2022 (خلال يومين) التي باتت جاهزة بحسب تصريح ميقاتي.
المفاجأة تأتي في ظل إنسداد كلّي للأفق السياسية مع الحديث في اليومين الماضيين أن لا جلسة حكومية في الأفق خصوصًا مع التوتر الذي إستجدّ بين حزب الله من جهة وبين الرئيس ميقاتي على خلفية ردّ الرئيس ميقاتي على خطاب سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والذي إستدّعى ردًا (على الردّ) ناريًا من قبل الحزب قال فيه “كان الأجدى بالرئيس ميقاتي الإتنفاض لكرامته”.
الجدير ذكره أن الرئيس ميقاتي كان قد صرّح عقب كلمة الرئيس ميشال عون في السابع والعشرين من الشهر الماضي، أنه لن يدعي إلى جلسة لمجلس الوزراء خوفًا على الحكومة من أن تنفجر من الداخل. فما الذي تغّير منذ أسبوع حتى يدعو ميقاتي حكومته للإنعقاد؟
لا شيء يوحي بتعديل في المعطيات السياسية، أللهم إلا إذا كان هناك صفقة تحدّث عنها البعض وتنصّ على إعادة تفعيل مجلس الوزراء مقابل التوقيع على فتح دورة إستثنائية لمجلس النواب. إلا أن التحليل يُظهر أن هذه الصفقة – إذا صحّت – تُعطي رئيس الجمهورية وفريقه أكثر مما يحصل عليه الفريق الأخر – أي الثنائي الشيعي وبالتحديد حركة أمل. وفي التفاصيل فإن التيار الوطني الحرّ سيربح على طبقٍ من فضّة ملف التعيينات الذي يُعتبر الورقة الأخيرة التي يمتلكها التيار في إطار صراعه السياسي مع الأطراف الأخرى خصوصًا المسيحية منها. وبالتالي من المُستبعدّ أن يقبل الرئيس نبيه برّي بتقديم هذه الهدية لرئيس الجمهورية من دون أن يكون هناك بديل (لا يُمكن أن يكون فقط فتح دورة إستثنائية لمجلس النواب!) “محرز” خصوصًا أن العريضة التي يقوم بتوقيعها النواب للطلب من رئيس الجمهورية فتح دورة إستثنائية لمجلس النواب أصبحت شبه مُكتملة وبالتالي أصبح رئيس الجمهورية مُلزمًا توقيع مرسوم فتح دورة إستثنائية لمجلس النواب.
وفي فرضية أن هناك جلسة لمجلس الوزراء سيتمّ الدعوة إليها – بحسب تصريح الرئيس ميقاتي – لإقرار الموازنة وإقرار بعض القرارات المالية التي تُفرجّ عن الاستحقاقات المالية التي كان ميقاتي قد سبق ووعد بها موظفي القطاع العام والإدارات العامة، فهناك سيناريو من إثنين لا ثالث لهما:
السيناريو الأول وينصّ على عدم حضور الوزراء الشيعة الإجتماع، وهو ما يُخالف “ميثاقية” الرئيس برّي والتي أغلب الظنّ لن يقبل بنتائجها بسبب غياب هذه الميثاقية وحتى لو تمّ تأمين النصاب (وهو أمر مُستبعدّ).
السيناريو الثاني وينصّ على أن يحضر وزير المالية الإجتماع ويتمّ التصويت على قرارات مالية (موازنة، إستحقاقات،…). لكن رئيس الجمهورية الذي يتمتّع بحق دستوري بطرح مواضيع من خارج جدول الأعمال دون الحق بالتصويت، قد يطرح إقالة كل من المدّعي العام المالي، وحاكم مصرف لبنان… فأين هي ضمانة الرئيس ميقاتي بأن حكومته لن تنفجر من الداخل؟
هذين السيناريوهين يوصلان إلى إستنتاجات أخرى: (1) هناك صفقة كاملة مُتكاملة تمّ الإتفاق عليها بين القوة السياسية وقد تشمل تعينات وغيرها من الأمور الأخرى بما فيها قضية القاضي بيطار وهو ما قد يجلب غضب المجتمع الدولي وبالتالي من المستبعد أن يكون مثل هذه الصفقة من دون أن يعرف أحدًا بها؛ أو (2) هناك فخّ يتمّ نصبه للثنائي الشيعي عبر تحميله وزر الفشل المالي وهو ما قد يكون مُكلفًا كثيرًا على الصعيد السياسي نظرًا إلى الحنكة الكبيرة التي يتمتّع بها الرئيس برّي في العمل السياسي وقدرته على سحب البساط من تحت الحكومة (مثال حكومة الرئيس حسان دياب).
إذًا ومما تقدّم نرى أن هناك قطبة مخفية في إعلان الرئيس ميقاتي نيته الدعوة إلى إجتماع لمجلس الوزراء. فما هي هذه القطبة؟
في الواقع يواجه تصريح الرئيس ميقاتي لدعوة مجلس الوزراء عراقيل كبيرة حيث يعلم القاصي والداني أن السبب المباشر لتعطيل جلسات مجلس الوزراء – أي قضية القاضي البيطار – لم تُحلّ وبالتالي من المُستبعد أن يقبل الثنائي الشيعي بحضور جلسة مجلس وزراء لمرّة واحدة ومن بعدها يُعاود التعطيل.
في الواقع، تُشير التحاليل إلى أن الرئيس ميقاتي يعلم أن الإتفاق مع صندوق النقد الدولي والذي أصبح شبه جاهز بحسب المعلومات المتوافرة، سيلاقي الكثير من الإعتراضات التي لن يكون بمقدور الرئيس ميقاتي تخطيها في مجلس الوزراء. أضف إلى ذلك أن التعيينات المالية والإدارية والقضائية التي يتلهّف التيار الوطني الحر لإقرارها في مجلس الوزراء والتي تُعطيه ما لا يقلّ عن 61 منصب (بين فئة أولى وثانية) على أكثر من 150 منصب شاغر وغير شاغر تشمل تغيير العديد من الموظّفين الذين يريد رئيس الجمهورية وفريقه تغييرهم مثل منصب المدعي العام المالي، ومدعي العام التميزي، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، وحاكم مصرف لبنان، ومدير قوى الأمن الداخلي وغيرهم. فهل يقبل الرئيس برّي بتقديم هذه الهدية للرئيس عون في نهاية عهده؟
الأزمة الناشئة بين الرئيس ميقاتي من جهة وحزب الله من جهة أخرى عمّقت وتُعمّق الهوة التي تحول دون إجتماع مجلس الوزراء حيث من المتوقّع أن يكون لهذه الأزمة إنعكاس مباشر على عمل الحكومة – حتى في حال إجتمعت – خصوصًا على صعيد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والتي تبقى مداولات الحكومة معه سرّية حتى الساعة وهو أمرٌ لا يُعجب التيار الوطني الحر وحزب الله ويُهدّد بتعقيدات أصعب بكثير من إجتماع لإقرار موازنة من المفروض أنها تحوي على الإصلاحات التي يُطالب بها صندوق النقد الدولي والتي تُعتبر شرطًا أساسيًا لتوقيع برنامج مساعدة معه.
ويبقى القول أنه في ظلّ دولار تخطّى الثلاثين ألف ليرة لبنانية في السوق الموازية، أصبح المواطن اللبناني يعيش على وتيرة هذا الدولار الذي أصبح مرجع لتسعير كل السلع والبضائع وهو ما يجعل حياته على بورصة المضاربين العابثين بأمنه الغذائي تحت أنظار أجهزة أمنية ورقابية لا تمتلك القرار بملاحقة المخالفين المحميين من قبل أصحاب النفوذ.