ميّز الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في خطابه يوم الاثنين الماضي، لمناسبة الذكرى الثانية على استشهاد القائدين اللواء قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، بين “الصديق” و”العدو” في لبنان والمنطقة. حيث أكّد ان الولايات المتحدة وأدواتها هم الأعداء الحقيقيون لشعوب هذه البلاد، وقد حدّد السيد نصر الله السعودية – الأداة الأمريكية – ودورها في العبث والتخريب والإرهاب.
وتابع السيد نصر الله حول موضوع العلاقات اللبنانية – السعودية، التي تعتبر “متأزّمة” اليوم، فيما يحرص البعض عليها وعلى “تحسينها” لأسباب كثيرة منها استعادة المال والسائح الخليجي الى لبنان بزعم تحريك العجلة الاقتصادية والمساهمة “بالتخفيف” من حدّة الأزمة المالية في البلد. الا ان المراجعة التاريخية للدور الفعلي للرياض في لبنان، وباعتراف المسؤولين السعوديين، لم يكن سوى إغراق البلد في مزيد من الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية.
تمويل الجماعات الارهابية
ان السعودية مصدّرة الفكر الوهّابي الإرهابي في العالم والتي دعمت حركاته مالياً ولوجستياً، وذلك بحسب تصريحات موثقة لمسؤوليين رسميين في الرياض ومنهم ولي العهد السابق نايف بن عبد العزيز الذي اعترف بأن السعوديين الذين يذهبون الى العراق يستعملون للتفجير، إما بالأحزمة الناسفة أو عبر السيارات المفخخة لقتل الأبرياء فقط!، ما يؤكد على أن السعودية تتحمّل مسؤولية كل الأعمال الارهابية التي قامت بها تلك الجماعات المسلّحة من تفجيرات استهدفت مختلف المناطق اللبنانية، وكان ضحيتها عشرات الشهداء ومئات الجرحى بين الاعوام 2013 و2015. وكان أهمها تفجير الكبير في منطقة “الرويس” في الضاحية الجنوبية لبيروت، والتفجير الذي استهدف السفارة الايرانية، بالاضافة الى اليد السعودية المباشرة في التفجير المزدوج الذي نفذه إرهابيان سعوديان في فندق ” دو روي” في منطقة الروشة في العاصمة، استطاعت الأجهزة الأمنية اعتقال الثاني، الذي لم يقتل، حيث اعترف بنية السعودية بتفيذ عملية آخرى في مطعم “الساحة” عند طريق مطار بيروت الدولي.
فيما لم يكن الدور السعودي في تنفيذ الهجمات الارهابية في لبنان بالحديث، بل يعود أيضاً الى عام 1985 حيث وقعت مجزرة في شارع بئر العبد في الضاحية جراء تفجير كبير كان هدفه النيل من حياة العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله، وقد كشف ويليام كايسي، مدير الاستخبارات الأمريكية عن دعم السفير السعودي في واشنطن بندر بن سلطان بثلاثة ملايين دولار لإتمام العملية الارهابية التي أدت الى استشهاد 80 من الأبرياء اللبنانيين من بينهم نساء وأطفال! كما ان للرياض المساهمة في التمويل الأساسي للجماعات المسلحة التي اعتدت ودخلت في اشتباكات واسعة مع الجيش اللبناني في الضنية في طرابلس شمال لبنان، بين عامي 1999 و2000 ما أدى الى استشهاد 12 جندياً في الجيش، وكذلك في أحداث مخيم “نهر البارد” عام 2007 حيث اندلعت الاشتباكات بين العناصر المسلحة والجيش واستشهد حوالي 168 جندياً في 12 يوماً تقريباً! وفي تلك الأحداث برز الدور الكبير لجماعة “فتح الاسلام” والتي يرعاها بشكل مباشر السعودي ماجد الماجد، الذي أوقفه الجيش اللبناني عام 2013 بعد ان كان قد انتقل الى “توسيع” عمل مجموعاته بين سوريا ولبنان.
ولا يغيب الدور السعودي عن تأمين وصول الجماعات الارهابية المسلحة من “داعش” و”جبهة النصرة” وغيرها عند مناطق عرسال والحدود اللبنانية السورية، وكانت إحدى بوابات دخول السيارة المفخخة الى بيروت. وقد خاض الجيش اللبناني والمقاومة معارك تطهير تلك المنطقة حتى تحريرها بالكامل عام 2017.
الارهاب الأمني
ان السعودية التي تتحمّل مسؤولية تمويل ميليشيات أثناء الحرب الأهلية في لبنان في السبيعينات بهدف إبقاء الاقتتال الداخلي مشتعلاً، لم تتوقف يوماً في تاريخ علاقاتها مع بعض القوى اللبنانية من محاولة جرّ لبنان نحو فتنة أهلية جديدة والتلاعب بالسلم في الشارع اللبناني، خدمة لمصالحها ومشاريع الولايات المتحدة. ففي أحداث 7 أيار عام 2008، دعمت الرياض بعض الأحزاب السياسية المعروفة – بعلاقاتها السعودية – لخوض قتال ضد حزب الله، كما فضحت وثائق ويكيليكس الزيارات بين رئيس حزب القوات سمير جعجع والسفير السعودي في لبنان عن الدعم المالي واللوجستي وتدريب مقاتلين من حزب القوات في الخارج من أجل “مواجهة حزب الله” وزجّ الشارع اللبناني في فخّ حرب طائفية جديدة.
الارهاب السياسي
أما من الناحية السياسة، فان للرياض وسفراءها صولات من التدخلات الصارخة في الشؤون السياسية الداخلية اللبنانية، من ربط اسم رئيس الحكومة بعلاقات معها ونوع من “ضوء أخضر” على الشخص المكلّف منذ أيام الرئيس السابق رفيق الحريري. الا أن في السنوات الماضية بدا هذا التدخّل أكثر وقاحةً حيث عمدت الرياض الى احتجاز رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عام 2017 وأجبرته على تقديم استقالته – دون مبررات وأصول دستورية – مع تواتر معلومات تؤكد تعرّضه للابتزاز والضرب والإهانة!
أمير الكبتاغون السعودي
وقد بلغ التدخّل السعودي حدّا وصل بها الى الضغط على القضاء اللبناني من أجل إطلاق سراح السعودي عبد المحسن بن وليد بن آل سعود المعروف بـ”أمير الكبتاغون”، الذي هرّب المخدرات من والى لبنان، بكميات عُرف منها أثناء توقيفه عام 2015، 1900 كلغ، وصدر حكم بحقه بالسجن 6 سنوات وغرامة مالية 6600 دولار.
وكذلك تمارس السعودية ضغوطاً و”تفرض شروطاً” على الحكومة اللبنانية لإقالة وزراء بسبب تصريحاتهم، وتطالب باعتذارهم وتفتعل الأزمات، وهذا تماماً ما حدث مع وزير الخارجية السابق شربل وهبي في ايار عام 2021 ومؤخراً مع وزير الاعلام جورج قرداحي على خلفية تصريح له قبل توليه منصبه، مما يضع لبنان دائما أمام مخاطر وانقسامات سياسية حادة واختلاق الأزمات بين مكوّناته، وايصال الحكومة الى حافة الاستقالة.
ومن ناحية آخرى، ومع اقتراب موعد الانتخابات في أيار المقبل، تشترك السعودية في غرف سوداء مع الولايات المتحدة لإدارة هذا الاستحقاق – على طريقتهم – كما تساهم في تمويل جهات سياسية لاسيما حزب القوات اللبنانية والمجموعات المدنية. وللسفيرة السعودي وليد البخاري العديد من اللقاءات مع هؤلاء في تجاوزٍ للأعراف والقوانين الدولية التي ترعى البعثات والعلاقات الدبلوماسية وتحدّد صلاحياتها.
الارهاب الاقتصادي
في وقت يعاني فية لبنان من أزمة اقتصادية ومالية ونقدية ـ تتنوع مسبّباتها – تُحكم السعودية إدارة حصار مالي على لبنان حيث منعت التصدير من البلد الى داخل أراضيها، بزعم “تهريب المخدرات عبر البضائع اللبنانية. كما كانت جهات رسمية سعودية قد سحبت قبل عام 2019 مبلغ مليار دولار من ودائعها في المصارف اللبنانية بما عجّل وساهم على انفجار الأزمات الاقتصادية عام 2019 وانهيار سعر صرف الليرة أمام الدولار، ليترك الشعب اللبناني لمواجهة أكبر المشكلات الاجتماعية.
وآخر الأعمال السعودية، التهديد باللبنانيين المقيمين على أراضيها ومصدر عيشهم عند كلّ منعطف سياسي مع لبنان.
فيما يؤكد الباحث في العلاقات الدولية والارهاب والأمن القومي الدكتور علي مطر في حديث لموقع “الخنادق”، أن الكثير من جرائم السعودية وخاصة في نشر الفكر الوهابي ودعم حركاته الارهابية المختلفة بشكل واسع وممنهج في لبنان والمنطقة وحتى في الدول الأوروبية، لا يزال طيّ الوثائق السرية والمعلومات الأمنية.
وتتُرك العديد من التساؤلات برسم الدولة اللبنانية وبعض أدوات السعودية الداعين الى ضرورة الانصياع الى الرياض والعودة الى “أفضل العلاقات” معها من أجل “مالها”، فهل هذا هو “صديقكم” الحقيقي؟ أم انه الإرهابي كما وصفه بحق الأمين العام؟
الكاتب: الخنادق