أحدثت رسالة المصارحة التي وجّهها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى اللبنانيين بعد عيد الميلاد، وَقعاً وسط الفراغ السائد على الساحة السياسية منذ تعطيل إجتماعات الحكومة إثر أحداث الطيّونة في 14 تشرين الأول الفائت. فقد لاقى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي رئيس الجمهورية في ما أعلنه خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده حول ضرورة عقد طاولة الحوار لبحث سياسة لبنان الخارجية، لافتاً الى أنّ»خطة التعافي الإقتصادي هي من صلاحيات مجلس الوزراء». وأمل أن يحمل العام المقبل بشرى خير فتجتمع الحكومة من جديد، مؤكّداً أنّه لن يستقيل إذا كانت استقالته ستزيد الخراب. ويُنتظر ردّ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله على كلام الرئيس عون يوم الإثنين المقبل. فيما يعلم الجميع بأنّ رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي هو رجل الحوار ولم يُقاطع أي حوار جرت الدعوة إليه حتى الآن، وعلى هذا الأساس فإنّه يتعاطى بإيجابية مع أي دعوة وطنية تصبّ في مصلحة المواطنين.
مصادر سياسية مطّلعة رأت بأنّ رسالة الرئيس عون التي تضمّنت الدعوة الى حوار وطني عاجل من أجل التفاهم على ثلاث مسائل والعمل على إقرارها لاحقاً وهي: اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة، والاستراتيجية الدفاعية وخطّة التعافي المالي، وإن كانت متأخّرة، على ما يرى البعض، إلّا أنّها دعوة وطنية بامتياز، وأن تأتي متأخّرة أفضل من أن لا تأتي أبداً، لا سيما في ظلّ الوضع الإقتصادي والمالي غير المسبوق الذي تمرّ به البلاد. وأكّدت الاوساط بأنّ السنة الأخيرة من ولاية الرئيس عون لا تزال تسمح بالقيام بخطوات إصلاحية ضرورية، شرط اقتناع جميع الاطراف بالبدء بورشة العمل الإنقاذية في أسرع وقت ممكن، وعدم هدر الوقت من دون أي إنتاج.
وقالت المصادر بأنّ رسالة رئيس الجمهورية تأتي انطلاقاً من يقينه بأنّ رئاسة الجمهورية لا يُمكنها أن تعمل بمفردها، وكذلك الحكومة، كما مجلس النوّاب، فأي مؤسسة دستورية لا يُمكنها الإنقاذ بمفردها، ولهذا لا بدّ من تضافر جهود هذه المؤسسات الدستورية معاً لإنقاذ البلاد من الإنهيار المستمرّ. فهذا ما يُطالب به الرئيس عون في السنة الأخيرة من عهده، كونه يجد بأنّ الإصلاح الذي يُطالب به الداخل والخارج، لا يزال ممكناً إذا كانت النوايا صافية، وإرادة الإنقاذ موجودة لدى الجميع.
وأكّدت المصادر نفسها بأنّ المطالبة باللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة، هي أمر مفصلي في رسالة عون، لوقف الهدر والفساد الذي ساد طوال العقود الماضية، ولا بدّ وأن تتجاوب كلّ الأحزاب التي تُنادي بنظام جديد وبدولة مواطنة مع هذا الطرح الذي يُساهم في بناء الدولة الحقيقية التي يريدها المواطنون، ويُفرمل الإنهيار المتمادي يوماً بعد يوم.
وفيما يتعلّق بخطة التعافي الإقتصادي التي طالب الرئيس عون بضرورة حصولها، فتجد المصادرأنّ كلام ميقاتي عن أنّها من صلاحيات مجلس الوزراء إنّما يدلّ على تحمّله المسؤولية لإقرارها، ولهذا يسعى الى عودة الحكومة الى الإجتماع مع العام المقبل، على ما بشّر المواطنين، فيما اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة فتتطلّب موافقة الجميع على إقرارها لا سيما مجلس النوّاب.
أمّا الاستراتيجية الدفاعية، المعني بها حزب الله بالدرجة الأولى، فتقول المصادر عينها بأنّ الحزب سبق وأن وافق على بحثها في وقت سابق عندما طالبه الرئيس عون بضرورة مناقشتها على طاولة الحوار، وأكّدت أنّ الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله سيتطرّق الى هذه المسألة خلال خطابه المنتظر يوم الإثنين المقبل، وسيُلاقي الرئيس عون في منتصف الطريق من خلال تأكيده على أنّ الحزب لا مانع لديه من مناقشة هذه الاستراتيجية، وشرح وجهة نظره في هذا الإطار.فقد سبق وأن قال السيّد نصرالله «نحن جاهزون»، ما يعني عدم تلكؤه سابقاً وحالياً، عن بحث الاستراتيجية الدفاعية…
ولفتت المصادرفي الإطار نفسه، الى أنّ موقف الرئيس عون من الاستراتيجية الدفاعية ليس جديداً، بل الجديد فيه أنّ «المسؤولية الأساسية هي للدولة التي تضع وحدها الاستراتيجية الدفاعية وتسهر على تنفيذها»، ما يعني بأنّ الرئيس ينوي التوافق مع الحزب ومع جميع الأفرقاء على ضرورة أن تضع الدولة هذه الاستراتيجية لقطع دابر أي فجوة أو ثغرة قد يستخدمها العدو الإسرائيلي بأنّ الاستراتيجية الدفاعية لا تضعها الدولة اللبنانية بل المقاومة. فالرئيس عون يريد المقاومة ويريد بناء الدولة في الوقت نفسه، ويودّ حمايتها كونه يعلم بالمؤامرة التي تطالها من قبل دول الخارج، ولهذا عليها فهم موقفه وملاقاته في موقفه هذا.
وذكرت المصادر بأنّ سياسة النأي بالنفس التي أعاد الرئيس عون التأكيد عليها، لتحييد لبنان عن صراعات دول المنطقة، والتي تغمز من قناة حزب الله وتدخّله في سوريا تارة، وفي اليمن طوراً، والذي لم يكن يؤيّده عون رغم تحالفه مع الحزب، فأوضحت المصادر بأنّه لا بدّ من وضع هذا البند على طاولة الحوار لتحديد موقف لبنان الرسمي منه. علماً بأنّ الحكومات السابقة والتي كان حزب الله مشاركاً فيها قد اعتمدت هذا المبدأ، أي سياسة النأي بالنفس ولم يعترض عليها وزراء الحزب، ومن هنا تأتي رغبة رئيس الجمهورية بأفضل العلاقات مع الدول العربية ودول الخليج وسؤاله عن المبرّر لتوتير العلاقات مع هذه الدول والتدخّل في شؤون لا تعنينا، سيما وأنّ هذا الأمر ينعكس سلباً على الوضع الإقتصادي في لبنان، كما على وضع اللبنانيين المقيمين والعاملين في هذه الدول.
ولفتت المصادر نفسها بأنّ الرئيس عون أكّد في رسالته بأنّه يجب الحفاظ على وحدة لبنان، مشيراً الى أنّه «في الوقت الذي تقترب فيه الحلول في المنطقة نرى الحلّ يبتعد في لبنان»، وهذا يعني بأنّ التسويات الخارجية، لا سيما الأميركية- الإيرانية، والسعودية- الإيرانية، والأميركية- السورية وسواها تُصاغ في المنطقة ولبنان ليس على الطاولة، ولهذا دعا الى الحوار العاجل لضرورة التوصّل الى توافق وطني لكي يكون لبنان على طاولة المفاوضات عندما تأتي التسويات لتطاله، فلا تأتي على حسابه بسبب عدم وحدة سياسييه، بل يكون له الموقف الوطني الموحّد.
وبناء على ما تقدّم، فإنّ الرئيس عون، على ما عقّبت المصادر، ينتظر ردود الفعل على «رسالة المصارحة» هذه من جميع الأفرقاء، ومع دعوته الى الحوار الوطني العاجل، لكي يبني على الشيء مقتضاه. فإذا كان الجميع مرحّباً وسيُلبّي هذه الدعوة الى حوار لبناني- لبناني، فإنّ الرئيس سيكون جاهزاً لتحديد موعد قريب لطاولة الحوار في قصر بعبدا. وتجدر الإشارة الى أنّ «طاولة الحوار» لن تكون بديلاً عن اجتماعات الحكومة التي يسعى ميقاتي للدعوة إليها مع مطلع العام المقبل، سيما وأنّها تُعالج عناوين تختلف عمّا يتضمّنه جدول أعمال مجلس الوزراء.