لم تكن كلمة رئيس الجمهورية ميشال عون مساء الاثنين، على قدر التسريبات التي لفتت الى تصعيد سياسي مرتقب، فالكلمة توجهّت نحو الحلفاء من دون ان تسمّيهم، فبدا الرئيس عون حاملاً العصا السياسية من وسطها، فلم يكسر الجرّة السياسية مع الثنائي الشيعي، وإن استهدفت الشظايا اكثر محور عين التينة، من خلال إشارته «الى العرقلة في مجلس النواب التي تساهم في تفكيك الدولة، اذ كان من المفترض أن يصدر قانون الكابيتال كونترول منذ سنتين وشهرين، ويساهم في إنقاذ الوضع المالي»، مع سؤاله المجلس النيابي عن «مصير قانون استعادة الأموال المحوّلة الى الخارج، وقانون كشف الفاسدين وحسابات وأملاك القائمين على الخدمة العامة وقانون الشيخوخة». واتهامه مجلس النواب «بعدم التجاوب مع دعواته المتتالية، لإقرار قوانين تصبّ في خانة خدمة الناس»، سائلاً : «أين هي هذه القوانين، وهل مكانها فقط في الأدراج واللجان؟».
فيما كانت « اللطشات» هادئة في اتجاه حارة حريك، لانّ العتاب سيطر اكثر من اللوم، مع اسئلة لم تؤد الى زعل بين العهد والحزب، بل اكتفت بانتقاد حول التعطيل وتوتير العلاقات مع دول الخليج ليس اكثر، مع «لطشة « حول مسؤولية الدولة فقط عن الاستراتيجية الدفاعية، الامر الذي شكّل خيبات أمل بالجملة لدى الفريق المعارض، الذي انتظر من رئيس الجمهورية ان « يفش خلقهم»، فأتت التمنيات على قدر بسيط فقط، فيما التمنيات بحدوث خلاف وفراق بين العهد وحزب الله لم يصل الى خواتيم سعيدة، لطالما تمناها الفريق المعارض، لكن لربما هي موجودة في الكواليس ولم تظهر بعد الى العلن، او على الاقل حاول الطرفان لفلفتها، مما يعني انّ مَن قام بالتسريبات وهم من المحسوبين على بعبدا و»التيار الوطني الحر»، ارادوا إحداث لفتة كبيرة في اتجاه العهد، فانتظرها الكثيرون لكن لم تكن النتيجة مرضية.
ووفق مصادر سياسية مطلعة على ما يجري بين التيار والحزب، إعتبرت أنّ الساعات الاخيرة من ليل الاحد الماضي، قد ادت الى تهدئة الاجواء بعض الشيء، كما انّ اللقاء الذي جمع رئيس « التيار» جبران باسيل بمسؤول وحدة التنسيق والارتباط وفيق صفا، ادى الى ضبط الوضع والعلاقة بينهما، على الرغم من انّ اللقاء حمل العتاب والانتقادات والاتهامات، لكن في نهاية المطاف وصلت النتيجة الى قرار بمنع تفاقم الخلاف، خصوصاً اننا نقترب من موعد الانتخابات النيابية، والوضع يتطلب التحالف الانتخابي في بعض المناطق، بهدف إراحة «التيار» وعدم خسارته بعض مقاعده.
الى ذلك، تابعت المصادر المذكورة قراءتها لكلمة رئيس الجمهورية، فرأت انها كانت بعيدة كل البعد، عن مزاج اللبنانيين التواقين الى قول الحقيقة مهما كانت صعبة، اذ بقيت ضمن إطار الرسائل الهادئة التي لم تحمل أسماء ولا عناوين نارية، فشكلت استياءً لدى اكثرية اللبنانيين، ونهايتها كانت دعوة الى الحوار لبحث ثلاث مسائل رئيسية، من أجل التفاهم والعمل على إقرارها لاحقاً ضمن المؤسسات، وهي: اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة، والاستراتيجية الدفاعية لحماية لبنان، وخطة التعافي المالي والاقتصادي.
ورأت المصادر أنّ هذه الدعوة تعيدنا الى ذكريات أليمة، عن سلسلة حوارات عُقدت لم تؤد الى أي نتيجة، حتى انها في بعض الاحيان زادت الطين بلّة واكثر، لكن هذه المرة تبدو خطوة الرئيس عون لجمع المتناحرين محيّرة، في ظل كل هذه الانهيارات، لان الهيكل سقط على رؤوس الجميع، ولم يعد ينفع أي لقاء او حوار، في بلد تحكمه الخلافات والانقسامات والتوترات السياسية اليومية، فما نفع هذه الخطوة التفاؤلية في بحر سياسي هائج، بين مجموعة متناقضة لا يجمعها أي شيء على الاطلاق؟ واشارت المصادر الى انّ البحث عن المخارج المتاحة للأزمات العالقة سيبقى من دون امل، لانّ إيجاد حلول لكل هذه القضايا،على قاعدة التعقل والاعتدال وتغليب مصلحة لبنان العليا على أي مصلحة أخرى، سيبقى صعب المنال، فلبنان بات في الهاوية وما زال البعض يضع العصيّ في الدواليب، غير آبه بالنتائج الكارثية، مما يعني اننا سنبقى في اطار الدوران لانّ الاوان قد فات، والمطلوب عملية تغيّير واسعة وشاسعة، تقلب الاوضاع رأساً على عقب بالمعنى الايجابي.