عزل قائد الجيش جوزف عون لرئيس المحكمة العسكرية العميد منير شحادة سابقة في تاريخ المحكمة. العزل الانتقامي جاء على خلفية ملفات يُريد قائد الجيش «تنييمها»، من دون أن تشفع لشحادة محاولاته استرضاء عون. أصدر الأخير القرار ونفّذه وزير الدفاع من دون اعتراض
ورغم أن المحكمة العسكرية تتبع مباشرة لوزير الدفاع لا لقيادة الجيش، إلا أن عون يتصرّف بما يخصّها بصفته الآمر الناهي، يُعيِّن من يشاء ويعزل من يشاء، من دون اعتبار لرأي الوزير. ورغم أن قائد الجيش أكّد، في أكثر من مناسبة، رفضه المحاصصة في المؤسسة العسكرية، إلا أن هذا الرفض يبدو انتقائياً، وغير بعيد عن النكاية السياسية والاستئثار والانتقام.
قرار عزل العميد شحادة يؤكّد أنّ المحكمة العسكرية ليست مستقلّة بذاتها، وتخضع للقائد الذي يختار لرئاستها من يشاء، فيما يبدو وزير الدفاع أشبه بساعي بريد ينفّذ ما يطلبه قائد الجيش.
القرار المفاجئ جاء قبيل انتهاء جلسة للمجلس العسكري، عندما أبلغ عون الأعضاء – من دون مقدّمات – بقرار تعيين الحاج رئيساً للمحكمة العسكرية ووضع شحادة في تصرّف القيادة. وعلى الفور، وقّع عون القرار وأرسله إلى وزير الدفاع موريس سليم للتنفيذ! وعندما راجع عضو المجلس العسكري، اللواء مالك شمص، وزير الدفاع طالباً منه إرجاء توقيعه، ردّ سليم بالقول: «خلص مضيتو. أصلاً القائد مش طايقو لمنير شحادة».
ما الذي أغضب قائد الجيش ليقرر عزل رئيس المحكمة فجأة بجرّة قلم. وهل هناك سبب واحد أم أسباب متداخلة أودت برئيس المحكمة؟ وهل هي أحكامه على عملاء أم قسوته في الحكم على ضباط؟ أم لأنّه لم يكن طيّعاً بما فيه الكفاية مع القائد الطامح لرئاسة الجمهورية؟
يتهامس ضباط وقضاة عن خلاف اندلع بين قائد الجيش ورئيس المحكمة العسكرية على خلفية ملفَّي العميلين للعدو جعفر غضبوني وأمين بيضون. الأول خدم برتبة رقيب في سلاح المشاة الإسرائيلي، والتحق الثاني بجيش العميل أنطوان لحد عام 1994. وبما أن العميلين يحملان الجنسية الأميركية، استنفرت السفارة الأميركية في بيروت وأرسلت موفدين إلى المحكمة، وتدخّلت السفيرة الأميركية دوروثي شيا لدى العماد عون من أجل إخلاء سبيلهما بحجة مرور الزمن على جرائمهما، على شاكلة التدخل الأميركي الذي أدى إلى إطلاق سراح جلاد الخيام العميل عامر الفاخوري في آذار 2020. وقد أفلحت هذه الجهود في «إنقاذ» غضبوني في محكمة التمييز العسكرية، فيما حُكم بيضون بالسجن المؤبد. قضية أخرى غذّت الخلاف بين القائد والعميد تتعلق بالحكم على جمال ريفي، شقيق وزير العدل أشرف ريفي، غيابياً بالسجن عشر سنوات، بجرم التطبيع مع إسرائيل، ما أثار غضب السفيرة الأسترالية ربيكا غريندلاي كون ريفي مواطناً أسترالياً.
تضاف إلى هذه الملفات، أحكام أصدرتها المحكمة العسكرية على ضباط بجرائم فساد ونقل مخدّرات، وجرى فسخها في محكمة التمييز العسكرية التي ذاع صيتها بوصفها محكمة تبرئة العملاء. وقد أخذ قائد الجيش على رئيس المحكمة العسكرية أن هذه الأحكام صدرت بأغلبية أعضاء الهيئة وليس بالإجماع، ما يشير إلى خلافات بين رئيس المحكمة وأعضائها.
فهل دفع تشدد رئيس المحكمة وعدم كونه طيعاً بما يكفي مع قائد الجيش، الأخير إلى الخشية منه في ملف آخر حساس لدى القائد؟
مصادر قضائية مطلعة أكدت لـ«الأخبار» أن «ملف المطران موسى الحاج» واحد من الأسباب التي تقف خلف قرار عزل شحادة. والحاج هو راعي أبرشيّة حيفا والأراضي المقدّسة المارونيّة، ويزور الأراضي الفلسطينية المحتلة في زيارات رعوية، بموجب تراخيص سرية من قيادة الجيش. وقد ادُّعي عليه أخيراً بجرم نقل أموال من الاستخبارات الإسرائيلية إلى عسكري في الجيش اللبناني. وتؤكّد المصادر أن قائد الجيش تدخّل لدى مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي معترضاً على ادّعائه على المطران، ومبلغاً إياه استياء البطريرك بشارة الراعي. وبعد لفلفة القضية، يتردد أن عون اتهم ضباطاً وقضاة في المحكمة العسكرية بتسريب معلومات حولها إلى الإعلام. علماً أن المطران الحاج يُلاحق في ملف آخر يتعلق بنقله أدوية إسرائيلية لتوزيعها على عائلات العملاء الفارّين إلى فلسطين المحتلة.
وبحسب المصادر، فإن عون ربما خشي من حكم متشدّد يصدره شحادة في هذه القضية، ما دفعه إلى إزاحته.
كل ما سبق، أضيف إليه قرار شحادة إرجاء موعد جلسة محاكمة رضوان مرتضى عاماً كاملاً، امتثالاً لقرار الهيئة العامة لمحكمة التمييز بإيداعها الملف لتعيين المرجع القضائي الصالح للنظر فيه، وهذا ما أدّى إلى أن يطفح كيل العماد عون من أداء شحادة. علماً أنه في الحكم الذي أصدرته المحكمة العسكرية الدائمة، غيابياً، بسجن مرتضى سنة وشهراً بجرم تحقير المؤسسة العسكرية، كان رئيس المحكمة يحاول استرضاء قائد الجيش. لكن ما قام به لم يشفع له لدى القائد الذي لم يبلع «قضية المطران» والعميلين وأحكاماً متشدّدة بحق ضباط… فقرّر الإطاحة برئيس المحكمة. أما وزير الدفاع فتصرّف بصفته عسكرياً ينفّذ أوامر العماد.