مناورات وتجسس وتسليح مشترك.. قصة التعاون العسكري الإسرائيلي الإماراتي واحتمالات تحوله لحلف ضد إيران
وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد يجلس إلى جانب وزير الدولة الإماراتي أحمد علي الصايغ خلال اجتماعهما في أبو ظبي يونيو/حزيران الماضي/رويترز
التعاون الإماراتي الإسرائيلي وصل إلى مستوى غير مسبوق في المرحلة الماضية حيث شمل المجالات العسكرية، وسط تساؤلات هل يتحول إلى حلف صريح ضد إيران؟
فلقد كثفت إسرائيل تدريباتها العسكرية مع حلفائها الغربيين هذا العام في استعراض واضح لقوتها أمام إيران وبرنامجها النووي.
ولكن على عكس التدريبات العسكرية السابقة، شهد عام 2021 مشاركة غير مسبوقة من الإمارات والبحرين، وهما من الدول الموقِّعة على اتفاقيات إبراهيم للتطبيع مع إسرائيل.
ويقول بعض المحللين إن الدول الثلاث تمكنت من تشكيل تحالف أمني إقليمي جديد بروح ناتو شرق أوسطي، كنتيجة مباشرة لتلك الاتفاقات، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Telegraph البريطانية.
وجرت المناورة في نوفمبر/تشرين الثاني وشاركت فيها القوات البحرية الأمريكية والإسرائيلية والإماراتية والبحرينية في البحر الأحمر.
على الرغم من أن إسرائيل أجرت تدريبات إلى جانب الإمارات في الماضي، إلا أن التدريبات تمثل أول تعاون عسكري علني على الإطلاق بين إسرائيل والبحرين.
وركزت التدريبات، التي تولى قيادتها الأسطول الخامس في البحرية الأمريكية، على تكتيكات VBSS البحرية، ووصفها قادة البحرية الإسرائيلية بأنها لحظة “مثيرة” فتحت الباب أمام تعاون أمني أعمق بكثير عام 2022.
وحينها، قال مسؤول عسكري إسرائيلي إن التدريبات هدفها “التصدي للعدوان الإيراني”، ولا سيما الضربة القاتلة التي نفذتها إيران بطائرة مسيرة على ناقلة النفط Mercer Street خلال الصيف، والتي تسببت في مقتل مواطن بريطاني وآخر روماني.
وقال: “كان عملاً إرهابياً وحشياً، علينا حماية البحر وتأمينه”.
وأرسلت دولة الإمارات، بشكل منفصل، قائد سلاحها الجوي، إبراهيم ناصر محمد العلوي، للإشراف على مناورات العلم الأزرق الإسرائيلية نصف السنوية في أكتوبر/تشرين الأول.
وأشادت إسرائيل بهذه التدريبات الجوية ووصفتها بالأكبر في تاريخ الدولة اليهودية، حيث شاركت فيها أكثر من 70 طائرة مقاتلة و1500 فرد.
وظهر القائد الإماراتي في صور المناورات وهو يتفقَّد القوات الإسرائيلية، وهو مشهد غير اعتيادي في منطقة تفضل فيها الدول العربية بشكل عام مقابلة المسؤولين الإسرائيليين خلف الأبواب المغلقة.
التعاون الإماراتي الإسرائيلي يصل للتجسس
وصل التعاون الإماراتي الإسرائيلي إلى الفضاء، حيث قال شلومي سودري، المدير العام لقسم الفضاء في معهد الطيران والفضاء الإسرائيلية، لصحيفة Jerusalem Post الإسرائيلية عقب المؤتمر الدولي للملاحة الفضائية في دبي، إن هناك إمكانية للجيشين الإسرائيلي والإماراتي للتعاون في الفضاء.
وأضاف سودري عن التعاون الإماراتي الإسرائيلي المحتمل في الفضاء: “بشكل عام، نحن نعيش في خط موقف مماثل نسبياً في العالم، وهناك الكثير من الأشياء في الجوار التي تهم البلدين، لذلك هناك احتمال أن يتم مع الجيش الإماراتي”.
ويراقب الجيش الإسرائيلي عن كثب إيران من خلال جيش الأقمار الصناعية، وآخرها – IAI’s Ofek 16 – تم إطلاقه في يوليو/تموز من العام الماضي.
وامتد للطائرات المسيرة
وأعلنت شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية في معرض دبي للطيران عن تعاونها مع أحد أكبر مقاولي الدفاع في الإمارات العربية المتحدة لبناء أنظمة بحرية جديدة بدون طيار، في مجال جديد يتجلى فيه التعاون الإماراتي الإسرائيلي.
ستؤدي الشراكة بين الشركة الإسرائيلية ومجموعة EDGE الإماراتية- التي تم الإعلان عنها في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 – إلى تطوير فئة جديدة من الطائرات بدون طيار البحرية ومركز صيانة جديد لتقنيات البصريات الكهربائية في دولة الإمارات العربية المتحدة.
ويأتي التعاون الإماراتي الإسرائيلي بالمجال العسكري في وقت تصاعدت التوترات بين إيران وإسرائيل هذا العام بسبب معارضة إسرائيل الاتفاق النووي الإيراني، الذي يحاول القادة الغربيون إحياءه عبر محادثات في فيينا مع طهران لم تؤتِ أكلها حتى الآن.
في المقابل الإمارات تمد يدها الأخرى إلى إيران
ولكن اللافت أن هذا التعاون الإماراتي الإسرائيلي يأتي في وقت بدأت فيه الإمارات تهدأ فيه التوترات مع إيران.
وتعارض إسرائيل بشدة العودة إلى الاتفاق النووي الذي أُبرِم في عهد أوباما والذي رفع العقوبات عن إيران مقابل فرض قيود على برنامجها النووي.
وتخوض إسرائيل وإيران “حرباً خفية” متفاقمة اُتُّهِم فيها كل منهما بمهاجمة سفن الآخر في منطقة الخليج، وعلى العكس لم تحدث مؤخراً أي هجمات منسوبة لإيران على أهداف إماراتية.
ومع تحليق الطائرات المقاتلة في سماء البحر المتوسط هذا الصيف، استمر خطاب الحكومة الإسرائيلية في التصعيد، حيث تهدد كل أسبوع تقريباً بتنفيذ ضربة انفرادية على برنامج إيران النووي.
وقال بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي، إنه مستعد “للعمل بمفرده” للتصدي الجمهورية الإسلامية، فيما أفادت تقارير أن حكومته خصصت 1.5 مليار دولار لعمل عسكري.
وفي مطلع ديسمبر/كانون الأول، تبين أن إسرائيل كانت تستعد لتدريب كبير في الربيع يحاكي هجوماً على المنشآت النووية الإيرانية. وقال مسؤولون إن العشرات من طائرات سلاح الجو الإسرائيلي، ومنها طائرات F-15 وF-35 وF-16 ستشارك فيه.
على أن أحد الخبراء البارزين في الصراع الإيراني الإسرائيلي قال إنه لا يعتقد باحتمال لجوء إسرائيل إلى حرب علنية.
وقال الخبير داني سيترينوفيتش، الرئيس السابق لفرع إيران في وحدة المخابرات العسكرية الإسرائيلية: “من وجهة نظري الشخصية، أشك في أنها ستفعل. إذا أرادت إسرائيل أن تفعل شيئاً فسيكون سراً وراء الكواليس”.
واضاف أنه إذا شنت إسرائيل هجوماً علنياً “فإنها ستجد نفسها في حرب إقليمية مع الشبكة الإيرانية من الحوثيين إلى حزب الله”.
وأوضح الخبراء والمسؤولون أن إسرائيل قد تكون قادرة في وقت قريب على شنِّ ضربة محدودة تلحق الضرر بأجزاء من البرنامج النووي الإيراني دون القضاء عليه تماماً، لكن أي هجوم واسع النطاق يتطلع إلى تدمير عشرات المواقع النووية المنتشرة في جميع أنحاء إيران، على نحو الهجمات التي هدد بها المسؤولون الإسرائيليون مؤخراً، يظل أمراً خارج نطاق الموارد الحالية للجيش الإسرائيلي.
وفي هذا السياق، يقول ريليك شافير، وهو جنرال متقاعد من سلاح الجو الإسرائيلي وكان طياراً مشاركاً في هجوم عام 1981 على منشأة نووية عراقية، إنه “يصعب جداً، بل يستحيل، شنُّ حملة قادرة على استهداف كل هذه المواقع” في وقت واحد.
وأضاف شافير: “في عالمنا الحالي، القوة الجوية الوحيدة القادرة على تنفيذ حملة من هذا النوع تستطيع تدمير البرنامج النووي الإيراني هي القوات الجوية الأمريكية”.
زيارات إماراتية إلى طهران
وقال سيترينوفيتش إن الإمارات امتنعت عن دعم أي عمل قد يؤثر على علاقتها مع إيران، وهي تعتبر أكثر حساسية من إسرائيل لأنها تضم قنوات دبلوماسية.
وقال: “أهم شيء بالنسبة لإسرائيل هو استغلال هذه الزيارات لدول الخليج لتُري إيران أن لديها خياراً عسكرياً، وهو ليس إسرائيلياً فقط، وإنما يضم شركاء آخرين”.
وأضاف: “الأمر مختلف من منظور الإمارات، فهي تريد أن تُري إيران أنها ترغب في تخفيف حدة التوتر من خلال التعاون الاقتصادي، لكنها تحافظ أيضاً على علاقتها مع إسرائيل”.
وقد سافر مستشار أمني إماراتي بارز لإيران في زيارة نادرة مطلع ديسمبر/كانون الأول، في إشارة إلى أن الإمارات ستستمر في الاعتماد على نهجها “الثنائي” الذي يشمل تدريبات عسكرية مع إسرائيل والدبلوماسية وراء الكواليس العام المقبل.
يمكن القول إن أبوظبي كانت قد بدأت الحوار مع طهران عام 2019 في أعقاب هجمات على ناقلات قبالة مياه الخليج وعلى بنية تحتية سعودية في مجال الطاقة، دون أن تخرج تفاصيل تلك الاجتماعات إلى العلن.
وكان انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان، وما يشير إليه من عدم رغبة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في الانخراط في المنطقة، عنوان هذه المرحلة، بحسب الكاتب السياسي الإيران روي وران، الذي يرى أن هذا الأمر سيؤدي إلى خلق فراغ سياسي لا يمكن أن يُسدّ إلا بطريقتين: التفاهم بين دول المنطقة، أو التنافس والتصادم فيما بينها.
وقال في هذا الإطار: “الإمارات تشجعت كثيراً بعد بدء الحوار بين إيران والسعودية في بغداد، ورأت أنه من الجيد أن تسير في الاتجاه عينه مع الأخذ بعين الاعتبار أن للإمارات منحى مستقلاً عن المنحى السعودي، وإن كان ضمن الإطار نفسه”.
هذه التطورات دفعت بدول مجلس التعاون الخليجي إلى إجراء تغييرات ملموسة على سياساتها الخارجية والدبلوماسية. وقد برز ذلك وفق الباحث في الشؤون الخليجية، الكاتب السعودي مبارك آل عاتي، من خلال الاتفاقيات التي أُبرمت بين الإمارات وإسرائيل، ومن خلال التقارب الأخير بين الإمارات من جهة وتركيا وإيران وسوريا من جهة أخرى، وهو ما يعني- في رأيه- تحولاً قوياً في الدبلوماسية الإماراتية التي أصبحت “دبلوماسية نشطة”.
إذ يتزامن التقارب الإيراني- الخليجي مع مخاوف إيرانية بسبب اتفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات، وأيضاً بسبب المناورات العسكرية التي أجرتها كلّ من الإمارات والبحرين مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية قبل أسابيع، والتي قالت إسرائيل عنها علانية إنها موجّهة ضدّ إيران.
ويشير الكاتب السياسي الإيراني حسين روي وران إلى هذه المناورات، باعتبارها أمراً لا يتناسب مع قواعد فتح أي صفحة جديدة بين إيران والإمارات، مضيفاً أن على الإمارات، إذا كانت جادة في تحقيق تقدم في علاقاتها مع إيران، “أن تثبت حسن نيتها تجاه طهران”.
في المقابل، تبرز مخاوف عدة لدى دول مجلس التعاون الخليجي تتمحور حول توسّع رقعة نفوذ إيران في المنطقة ومنظومتها البالستية وطموحها النووي. وهو ما يفسّر إصرار هذه الدول على أن تكون طرفاً في أي محادثات دولية تتناول الملف النووي الإيراني. الأمر الذي ترفضه إيران بشدة، لاعتبارها أن الملف النووي هو شأن إيراني مع قوى دولية وليس مع دول المنطقة والخليج، بحسب روي وران.
الباحث في الشؤون الخليجية الكاتب السعودي مبارك آل عاتي يستبعد هو الآخر أن يكون للإمارات أي دور في التأثير على إيران في موضوع المباحثات النووية، لاعتباره أن مفاوضات فيينا صعبة ومعقّدة وتتطلّب ضغوطاً على مستويات دولية.
ويشير في الوقت عينه إلى أن أي دور إماراتي في هذا الاتجاه لن يعدو كونه دوراً دبلوماسياً.
ومن الواضح الإمارات تسير في خطين متوازيين: تعزيز العلاقات العسكرية مع إسرائيل لدرجة لم تكُن متصورة، ومحاولة تهدئة الإيرانيين في الوقت ذاته، أما مدى احتمال تحول التعاون الإماراتي الإسرائيلي في المجال العسكري إلى تحالف صريح ضد إيران، فمرتبط بلحظة الحسم، فإذا كانت إيران في موقف ضعف يمنعها من إيذاء الإمارات جراء هذا التحالف، فقد تقدم عليه أبوظبي.
أما إذا شعرت الإمارات بأنها ستكون أول من سيدفع ثمن أي هجوم إسرائيل، أو أمريكي على إيران، فإنها ستحاول أن تنأى بنفسها عن الأمر.