الأزمة الاقتصادية تلاحق الموتى: رفات تختفي وتُباع قبورها
وتؤكد جولة بين قبور مدافن بئر حسن أن الموتى يهانون في مدافنهم، وبيعت قبورهم على سعر صرف الدولار. فلا شواهد ولا أسماء على معظم القبور القديمة والمنسيّة والمجهولة. وبعضها محطم ويظهر ترابه. والشواهد مفقودة عن كثرة من القبور ما يؤكد فرضية سرقتها. وحسب معلومات، يراقب السماسرة القبورَ التي لا يزورها أحد، فيقومون بنبشها وبعثرة بقايا رفات موتاها، لبيع القبر المهمل بالدولار وإقناع شار بأنه جديد، لدفن فقيده فيه. وللحد من هذه الانتهاكات، رقّمت البلدية عدداً من القبور القديمة التي لا يقصدها أهل المتوفين، فحثتهم على زيارة موتاهم. ولكنها فوجئت بعد مدة بأن بعض القبور القديمة اختفت وحلّت محلها قبور جديدة بأسماء جديدة.
ولا تتوقف الانتهاكات عند هذا الحد. فاللصوص يعتدون على حدود المقبرة فيوسعونها إلى أطراف الشارع. وعمدت البلدية إلى تصوين أطراف المقبرة بسياج شائك، لمنع دفن الأموات في الأملاك الخاصة، لكن الانتهاكات استمرت.
قبر بسعر شقة: 20 ألف دولار
وتختلف أسعار القبور الجديدة بين مدفنٍ وآخر. فبعض المدافن خُصِّصت لأهالي المنطقة المحيطة بها. وبسبب اكتظاظ المقبرة بالموتى، وقلّة الأماكن الشاغرة فيها، وإصرار أهالي الموتى على دفن موتاهم قرب قبور أقاربهم، بلغ سعر القبر الجديد ثمن شقة سكنية: تعدى 20 ألف دولار أميركي أحياناً. وبعض المدافن تحتاج إلى واسطة للدفن فيها.
وحيال صعوبة تأمين هذه المبالغ الخيالية في ظل ارتفاع الدولار الجنوني، لجأت العائلات إلى دفن عدد من موتاها في قبر واحد، للحد من التكاليف الباهظة. فبعض القبور بات الواحد منها يضمّ 7 و8 رفات.
موت العادات والتقاليد
وهنا يبرز سؤال: كم عمق هذا القبر القادر على استيعاب هذا العدد من الجثث؟
توفيت والدة محمد منذ 3 أشهر تقريباً، بعد صراع طويل مع مرض عضال. وبناءً على رغبتها بدفنها في بيروت، قصد محمد إحدى المدافن القريبة من منطقته، فأخبروه بأنها مليئة ويصل سعر القبر الجديد إلى 7000$. وراتب محمد لا يتعدى المليوني ليرة شهرياً. فلجأ إلى دفن والدته في قبرٍ مشترك مع أحد أفراد عائلته. ويقول: فوجئت بالتكاليف الباهظة. فكلفة غسيل الميت مليون و300 ألف ليرة. أما نبش القبر القديم وإقفاله فيتطلب مليون و200 ألف ليرة. وتغيير الشاهدة وتجديدها، يتطلب 600$. وتشاركت وإخوتي في تأمين هذه التكاليف. لكننا عجزنا عن تغيير لوحة السيراميك القديمة لتدوين اسم والدتي عليها، فلا قدرة لنا على دفع 600$ لتغييرها.
ومنذ بداية الأزمة الاقتصادية تخلىّ اللبنانيون عن الكثير من طقوس الدفن وعادات الحداد. فباتت العادات للمقتدرين فقط. ويضيف محمد: عندما توفي والدي منذ 7 سنوات، قمنا بـ”مؤانسته في القبر”. وهذه من العادات القديمة: تلاوة القران الكريم على قبر الميت لمدة 7 أيام متواصلة لإراحة نفس الميت ومؤانسة روحه. وكانت كلفة ذلك مليون ليرة ونيف. أما اليوم فتبلغ كلفة المؤانسة حوالى 19 مليون ليرة.
وتخلى أهل الموتى اليوم عن مجالس العزاء التي تقام في الأسبوع الأول من وفاة الفقيد وفي أربعينه. وتخلو أيضاً عن مناسف اللحم أو الدجاج التي توزع عن روحه، إضافة إلى تكاليف الحسينية وقارئ العزاء. فكيلوغرام اللحم أو الدجاج اليوم، يتخطى 250 ألفاً. وتصل تكاليف العزاء في الحسينية إلى مليون ليرة. وتهرباً من هذه التكاليف، يجري تلقي التعازي هاتفياً، بحجة جائحة كورونا.
اختفاء رفاة
أما رامي فيروي لـ”المدن” تفاصيل اختفاء رفات أبيه من القبر. ففي العام الماضي توفيت والدة رامي. وبسبب الضائقة المعيشية عجز أبناء العائلة عن شراء قبر جديد لها، قرروا دفنها في قبر والدهم في مدفن على أطراف الطيونة- شاتيلا. وبعد غسلها وتكفينها حضرالشيخ لإتمام مراسم الدفن وفق الشروط الشرعيّة، فوجد قبر الوالد محفوراً ورفاته مفقودة، فسأل الشيخُ ناطورَ المقبرة، فأنكر علمه بأي شيء، لكنه ارتبك. فشك أبناء الفقيدين بأن الناطور أو عامل الدفن هتكا حرمة رفات والدهم ورمياها.
وهذه الجريمة واحدة من الانتهاكات التي تحصل باستمرار، فتختفي رفات موتى أو تختفي قبور وتتغير أسماء موتى على شواهد القبور.