الشعب الصيني يهان بالفعل إذا تغاضى عن جريمة إبادة الإيغور التي ترتكب باسمه في مواجهة وحشية لم يشهد عصرنا ما يشبهها، كانت حكومتنا حازمة في تصميمها على التجاهل وإغلاق الأذنين
بات إقليم شينجيانغ الآن أكبر سجن مفتوح في العالم (أ ب)
كارولين لوكاس- جون اشتون
الآن، لم يعد هناك مجال للشك. وصلت الإبادة الجماعية إلى شعب الإيغور الصينيين في “شينجيانغ” بغرب الصين. إنها الخلاصة التي توصلت إليها “محكمة الإيغور”، أحد أبرز التحقيقات التي أجريت حتى الآن وأكثرها عمقاً ومصداقية حول أسباب معاناة هذه الجماعة في الصين.
وفي تقرير المحكمة الذي نشر الأسبوع الماضي، تظهر قصة أقسى من أن توصف بمجرد الكلمات. لكن لذلك السبب تحديداً، يتوجب على كل منا ممن يتمتعون بفرصة العيش في مجتمع حر، أن يلاحظوا ما يجري (هناك). أهلنا وأجدادنا من أجيال “لن نسمح بإعادة الكرة” [جيل الحرب العالمية الثانية]، لن يتوقعوا منا ما هو أقل من ذلك، لأنهم قادرون على فهم المصير القاتم الذي يعانيه هؤلاء الناس [إيغور].
لقد اعتُقِلَ أكثر من مليون من الإيغور والكازاخستانيين، والأوزبكيين، والطاجيك وآخرين، معظمهم من المسلمين، واقتُلعوا من منازلهم وأبعدوا عن عائلاتهم، وفي غالب الأحوال، جرى إخفاؤهم، بكل بساطة، واعتقالهم في ظروف قاسية لا يمكن وصفها في معسكرات شكّل وجودها أمراً جرى نفيه لفترة طويلة. وكذلك استُخدِمَ التعذيب والاغتصاب بشكل منهجي لإخضاعهم. وقد جرت أعمال الإجهاض الإجباري والتعقيم بشكل “هدفه تدمير جزء كبير” من شعب الإيغور، إذ تراجعت نسبة الولادات في بعض المناطق بنسبة الثلثين [بحسب التقرير]. واعتُمدت الأشغال الشاقة كجزء من الاقتصاد في مقاطعة “شينجيانغ”، وداخل مصانع في أنحاء الصين.
وبالتالي، باتت “شينجيانغ” اليوم كالسجن المفتوح الأكبر في نوعه، وتجري حراسته بأشد ما يمكن تصميمه من أساليب المراقبة والسيطرة. لقد انتُهكت حرمة مساجد المسلمين ومقابرهم، بل دُمرت، فيما حُظر إبراز المظاهر الدينية تحت طائلة العقاب. وبشكل دوري، يؤخذ الأطفال من منازلهم، ثم تجري معاملتهم كالأيتام، ويُصار إلى غسل أدمغتهم في مدارس أقيمت لهذا الغرض.
هناك أكثر من طريقة واحدة لتدمير شعب بأكمله. بالإمكان قتل ناسه فرداً فرداً. وكذلك يمكن تحطيم ثقافته، ومحو تقاليده، ومعتقداته، ورمزيته، وكسر إرادته، وسلبه حقه في التكاثر، وغسل دماغ من بقي من هذا الشعب على قيد الحياة حتى يصلوا إلى مرحلة ينسون فيها من هم كشعب، ومن أين تحدر أبناؤه.
في سياق متصل، لقد سبق للمملكة المتحدة أن التزمت رسمياً مكافحة الإبادة الجماعية عبر توقيعها على “معاهدة مكافحة الإبادة الجماعية” في 1948. لكن، في مواجهة الوحشية التي لم يشهد عصرنا هذا مثيلاً لها، أبدت حكومتنا حزماً في تصميمها على تجاهل الأمر وإغلاق أذنيها ومواصلة التصفير [إشارة إلى التجاهل وعدم الاهتمام].
إذ ترفض الحكومة مناقشة موضوع الإبادة الجماعية، معلّلة رفضها بمهزلة أن المحاكم وحدها يمكن أن تقضي بمناقشة هذا الموضوع، على الرغم من معرفتها المسبقة بأن الصين ستستخدم حق النقض “الفيتو” في مواجهة أي محاولة للجوء إلى “محكمة العدل الدولية” في هذه القضية، وقد تجعل من أي آلية عالمية أخرى تنظر بمسألة الإبادة، صعبة التحقيق. وفي المقابل، تعرقل هذه الحكومة كل المحاولات الرامية إلى الطلب من محاكم المملكة المتحدة النظر في المسألة وإصدار حكم مبدئي في هذه القضية قد يكون ضمن اختصاصها.
بالإمكان ربما التنبؤ حول الأسباب التي تحفز الحكومة البريطانية على الموافقة على دفع ذلك الثمن الباهظ والظهور بمظهر المتواطئ. فلطالما أعلن رئيس الوزراء [بوريس جونسون] أنه يعتبر نفسه “صيني الهوى حتى النخاع”. وكذلك عبّر وزير خزانته [ريشي سوناك] دوماً عن رغبته في علاقة مع الصين تكون “راشدة ومتوازنة” بما يتماشى مع طموحات عن إمكانية “تطوير سوق للخدمات المالية قادرة على التوسع والنمو” [بين البلدين].
في المقابل، يبدو أن الحكومة الألمانية الجديدة ترفض التوجّه المتساهل الذي انتهجته الحكومة السابقة [حيال العلاقة مع الصين]. وكذلك يعتقد عدد متزايد من الحكومات (من ضمنها الإدارة الحالية في الولايات المتحدة) وبرلمانات (من ضمنها مجلس العموم البريطاني)، أن ما يجري في شينجيانغ يشكّل إبادة جماعية.
واستطراداً، يتوجَّب على الحكومة البريطانية أن تتبع النهج نفسه فوراً. ينبغي عليها أن تطلب من المحكمة العليا في البلاد إصدار حكم [حيال الإبادة الجماعية في الصين]. ويتوجب عليها أيضاً أن تضع، بشكل طارئ، أمام البرلمان سلة إجراءات تتناسب مع الالتزامات التي قطعتها المملكة المتحدة وفق “معاهدة مكافحة الإبادة الجماعية”. وكذلك يجب أن تتضمن تلك الإجراءات آليات موضوعية ومحكمة وتتمتع بالشفافية، بغية وقف التعامل مع أي شركة عاملة في أسواق المملكة المتحدة قد تكون متواطئة، إما عبر سلاسل الإمداد أو امتلاكها عملياتها الخاصة في الصين، بما في ذلك قطاع الاتصالات، والذكاء الاصطناعي، وقطاع المراقبة وإنفاذ القانون أو حتى قطاع الملابس الجاهزة.
واتصالاً بذلك، يتوجب على الحكومة أيضاً استبعاد أي اتفاق للتجارة والاستثمار مع أي حكومات ربما تكون ضالعة في عمليات الإبادة الجماعية. ويجب عليها كذلك القيام بحملة دبلوماسية لبدء حملة مقاطعة عالمية ضد المنتجات والخدمات التي ربما تكون ثمرة العمل بالسخرة في الصين. ويتوجب على الحكومة أيضاً توسيع مروحة العقوبات المعروفة بـ”ماغنيتسكي”، لتشمل مسؤولين صينيين من كل أولئك المسؤولين مباشرة عن الإبادة، مهما علا شأنهم، وضمنهم تشين كوانغوو زعيم الحزب الشيوعي الصيني في “شينجيانغ”، المعروف بأنه مهندس عمليات الإبادة الجماعية.
في وقت سابق، وعد رئيس الوزراء البرلمان بمقاطعة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي ستجري في الصين، دبلوماسياً وسياسياً. يجب عليه الآن العمل مع شركائه في الضغط على شركات الرعاية التجارية كي تسحب دعمها [لتلك الدورة]. وكذلك ينبغي على الرياضيين، بدعم من مموليهم التجاريين والهيئات الرياضية العامة، إجراء دراسة حول حجم ما سيخسرونه جراء مشاركتهم بهذه الألعاب الصينية بالمقارنة مع ما قد يفوزون به من المشاركة بما سيكتبه التاريخ يوماً بأنهم شاركوا في “ألعاب الإبادة الجماعية الأولمبية” Genocide Games.
نحن لا نحمل أية ضغينة تجاه الشعب الصيني العظيم الذي كان بنفسه ضحية الاستبداد الإمبريالي الماضي. على العكس، نحن نود رؤية دولة صينية ترتقي إلى أسمى الدرجات بعيداً عن دورات الانتهاكات التي مرت عليها في تاريخها، ومساعدة الآخرين على فعل الشيء نفسه، دولة صينية تلعب دوراً رئيساً تكون من خلاله في قلب الإجماع للدول التي تعمل معاً من أجل عالم أفضل. إن الإهانة الحقيقية للشعب الصيني تكمن في تغاضيه عن أعمال الإبادة الجماعية التي ترتكب باسمه، وتلكئه في الوقوف ضد ذلك. إذ يستحق أيضاً مستقبلاً يكون خالياً إلى الأبد من أي صلة بهذا الجرم المتفرد في البشاعة.
إذا فقدنا في هذا العالم الصغير والمكتظ بالبشر تعاطفنا مع إخواننا في الإنسانية، بغض النظر عن اختلافاتنا الثقافية أو بعدنا الجغرافي عنهم، فنحن في حينه سنخسر كل شيء. حان الوقت كي نستيقظ. حان الوقت للتحرك.
* كارولين لوكاس، عضوة البرلمان البريطاني عن دائرة منطقة “برايتون بافييون”
** جون آشتون دبلوماسي مخضرم، خدم بلاده في بكين وهونغ كونغ.
© The Independent