يحتفل لبنان والعالم غداً بعيد الميلاد المجيد وسط أمل أن يكون ميلاد المخلّص ولادةً للبنان الجديد الذي كان يحلم فيه كل مواطن.
بات الإنهيار واضحاً أمام أعين اللبنانيين، ولم يعد من حلّ أو أمل مع هذه السلطة الحاكمة، إذ إنها تستمر بسياستها التعطيلية من دون اكتراث لعذاب الناس وأوجاعها.
كان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أول من تحدث عن هدم أسس الكيان، وقد قال هذا الكلام التحذيري قبل وقوع الإنهيار بسنوات لكن من دون أن تكون هناك آذان صاغية.
في عظة الميلاد 2020 كرّر البطريرك مطالبه بوقف التعطيل وتأليف حكومة، يومها كان الرئيس سعد الحريري من يقود مهمة التأليف وفشل في مهمته.
أما ميلاد 2021، فيعود على لبنان بحكومة موجودة لكنها لا تجتمع، فسياسة التعطيل لا تزال سارية المفعول وتمنع الحكومة من الإجتماع وكأن البلاد بألف خير ولا داعي لمثل هكذا اجتماعات.
ودرجت العادة أن يعقد الراعي لقاء مع رئيس الجمهورية قبل التوجه إلى القداس، وقد غاب الرئيس ميشال عون العام الماضي عن قداس بكركي بسبب فيروس “كورونا”.
وينتظر أن تكون عظة العيد للبطريرك الراعي، سواء حضر عون أو تغيّب، عالية اللهجة، وستتناول بالطبع التعطيل الحكومي والأفرقاء المعطلين، ومحاولة التدخل في عمل القضاء عبر ضرب تحقيق القاضي طارق البيطار، وسيصوّب على مآسي الشعب التي يسببها الحكّام، من دون إغفال أهمية إحترام الإستحقاقات الإنتخابية.
لم تعد المهادنة واردة في قاموس سيّد الصرح، فهو ينظر إلى رعيته كيف تجوع وتموت على أبواب المستشفيات وتُهجّر، لذلك “فلا مزح” بعد اليوم، فإما أن تُقدم السلطة على إجراءات حاسمة توقف الشلل والإنهيار وإما فالمواجهة آتية لا محالة وقد تكون الإنتخابات إحدى أسهل تلك الوسائل وأفعلها.
لا يريد الراعي للدولة التي سعى أسلافه البطاركة إلى بنائها أن تنهار تحت أعين الشعب والبطريركية، لذلك فهو يرى نفسه أميناً على هذا الإرث الوطني، لذلك سيُعيد التمسّك بالحياد الناشط والدعوة إلى مؤتمر دولي لإنقاذ لبنان.
وباتت المواجهة مفتوحة بين منطق الدولة ومنطق “الدويلة”. من هنا، فإن الراعي مستمر في نهج دعم المؤسسات ورفض الخضوع للسلاح غير الشرعي وشريعة الغاب التي يسبّبها.
لا يمكن لبكركي أن تقف مكتوفة الأيدي والبلاد تنهار، وهي حاملة الأمانة في هذه الظروف الصعبة والمصيرية، ولا يروق لها مشهد الذلّ في كل مكان بعدما كان هذا البلد لؤلؤة الشرق ومنارته.
يحلّ الميلاد هذا العام وفرحة العيد غائبة، لا هدايا لكل الأطفال بعدما ضرب الفقر البلاد، ولبنان الذي أسّسه الموارنة بدأ يفرغ من مسيحييه، وبالتالي فإن البطريركية التي دقت ناقوس الخطر من الهجرة، لا تزال ترى أن هذا الكابوس مستمر بحصد خيرة العائلات والشباب.
يحمل الراعي في كلامه الغضب والإنتفاضة على السلطة، لكنه يدرك جيداً أن الحل بيد الشعب، لأن التجديد لهذه الطبقة الحاكمة يعني أن الشعب عاد وانتخب جلاديه، لا بل جلاديه وناهبيه وسارقيه ومصّاصي دمائه وقاتليه.