“كلمة السر” عند نصرالله
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
يحتدمُ المشهد السياسي على غير عادة. في السابق كان ثمة ممرات وخطوط للتواصل تبقى مفتوحةً، ومصلحون وسعاة خير يتحركون بأريحية بين المقرّات، إمّا لتثبيت تهدئة أو هدنة، أو لطرح حلّ، أمّا اليوم فكل الخطوط مقفلة والطرقات غير سالكة بسبب تراكم، ليس الخلافات وحسب، وإنما انهيار دعائم الثقة..
بين الحلفاء أصبح الوضع معقّداً وتطغى القطيعة على النقاش ويُعتقد أن الأمور ذاهبة نحو التخلّي عن الإتفاقات والتفاهمات تدريجياً أو الاستعاضة عندها ببدائل مرنة أكثر وهذا الفعل يُعتقد أنه ذات دلالات خارجية تبعاً لمحاولة بعض الأطراف “المزروكة” في الداخل، التحرّر من بعض الأثقال والأعباء عبر إجراء نوع من إعادة التموضع السياسي بين الخصوم. أما بين الخصوم فالأحوال تتجه نحو مزيدٍ من التأزم والشرخ وعدم الوضوح كلما اقترب موعد الإنتخابات، ويبدو أن الأولوية بالنسبة إليهم، تأتي في تعزيز الحضور، كلّ على حساب الآخر.
النتيجة إذاً ، المزيد من التأزم الداخلي ربطاً بالعديد من الملفات وإشكالياتها، التي باتت على ما يظهر، تفرّخ كل يوم مشكلةً جديدة، وثمة من يجد أن هذا الاسلوب “مطلوب” لإبقاء الوضع اللبناني متخبّطاً في وحل الأزمات.
عملياً، الجميع بات في موقع إنتظار موقف “التيار الوطني الحر”، في ضوء وضعيته السياسية الحالية، بعدما حدّد في خطاب رئيسه قبل أيام، “مهلة” حتى كانون الثاني المقبل، للعودة إلى تصحيح المسار الناشئ عن الخلل الذي اعترى –حسب رأيه- “اللاقرار” الذي صدر عن المجلس الدستوري. وبما أن جميع المتهمين وفق مضبطة الوزير السابق جبران باسيل، يعتبرون أنفسهم أنهم على حقّ وليسوا في وارد أي تعديل يُذكر على مواقفهم أو تقديم “قرابين”، بالتالي تصبح المهلة بحكم المنتهية منذ الآن، فكيف سيبني التيار موقفه حين تنفذ المهلة حقاً؟
حتى الساعة، تبدو الآثار الجانبية لـ”لا قرار” الدستوري واضحة. ميرنا الشالوحي تتهم الثنائي الشيعي، وعلى التحديد أكثر، توجّه الإتهام بشكل كلي وصريح صوب “حزب الله”، على اعتبار أن “الحليف” لم يواكبهم في معاركهم. كبرت “الدملة” ونمت حتى بلغت حدود “الحدت” ، ومعها بات التيار يعتقد أن الحزب اتّخذ لنفسه موقعاً مختلفاً، وسط شعور متعاظم بتخلّيه عنهم، وكما يبدو اختار الآخرين كبدلاء، فلماذا نستمرّ ولماذا لا نفقأ تلك البثرة؟
هذا الإشتداد، المُضاف إلى حدّية غير مسبوقة في التعاطي، اندفعت إلى واجهة المشهد وخلّفت تراجعاً للمسؤولين التقليديين في الحزب، الذين يتحركون عادةً باتجاه بعبدا أو ميرنا الشالوحي، ما خلّف ندوباً على العلاقة في ضوء القطيعة المستجدّة، التي يبدو أن الحزب كان المبادر إلى تدشينها كرسالةٍ قاسية أرادَ توجيهها إلى الحليف، الذي فضّل عدم التعامل مع الأصوات المرتفعة دائماً في وجه الضاحية، وإنما أتاح لنفسه استخدامها في سياسة تحصيل المكاسب عبر أسلوب الإبتزاز.. وأخيراً وحين امتلأ الكأس وفاض، وجد الحزب أن النقاش لم يعد يجدي نفعاً وهو كذلك منذ زمن، منذ وقع الإختيار على تعطيل المجالس النقاشية بين الجانبين قبل ولوج “الثنائي” إلى تعطيل مجلس الوزراء للسبب المعلوم، والمطلوب باختصار بات واضحاً: الإقلاع عن هذه اللغة والتخلّي عن سياسة التعامل بالتهديد والعودة إلى منطق التفاهمات.
إلاّ أن الأمور، وعلى الرغم من شدّتها، لن تبقى مقفلة ولا يجدر أن تبقى كذلك تبعاً لوضعية “حزب الله” السياسية ووضعية التيار أيضاً، وحاجتهما لبعضهما، والمتاح اليسير من حدود العلاقة بين الجانبين والتاريخ المديد لها، ونظرة كلّ منهما تجاه الآخر وتقاسمهما مخاطر الإستهداف، وتطور الخلاف إلى أشدّه بما يعكس وجهة نظر لدى الحزب بإعادة صوغ العلاقة من جديد على أسس مختلفة اكثر متانة، قد تدفع بالأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، إلى التدخل مباشرةً تحت عنوان “إعادة الهدوء إلى الجبهات ولم التحالف”، ربما على شكل ظهورٍ مباشر عبر الشاشة “متوقع” خلال الأيام المقبلة، ويأتي تحت عنوان “تهدئة الخواطر” وإبلاغ رسائل بشكل علني إلى من يرغب وبالأخصّ إلى عمق التيار وربما تعويضه، أو قد يكون من خلال مشاركة على طريقة التواصل المباشر على خط عون – باسيل ، على نية وضع حدّ للتفلّت الحاصل وإعادة النقاش إلى جذوره وفق أسس من التعاطي والمعايير الواضحة، الجديدة والمختلفة وعدم العودة إلى الخلف.
لكن إلى الآن، يبقى أن القطيعة هي الموقف الأبلغ التي يريد من خلالها “حزب الله” إبلاغ رسالته إلى المواقع العليا عونياً، وإعادة تصويب المسائل، سيّما قبل فترة الإنتخابات المقبلة، وربّ قائلٍ أن الحزب صمت وسكت كثيراً حتى بلغ الأمر موقعاً لم يعد في مقدوره السكوت عنه. وربطاً بتطورات الأيام المقبلة، سيبني الحزب موقفه من دعوة رئيس الجمهورية الجميع للعودة إلى طاولة مجلس الوزراء.
يبقى، من وجهة نظر محيطين بالجانبين، أن تتطور الأمور بشكل سلبي وانهيارها باتجاه دراماتيكي، أو ذهاب الخلاف إلى حدودٍ بعيدة، ما قد يعطي انطباعات جيدة بالنسبة إلى الحلقة العونية الدافعة صوب خلق التمايز عن الحزب، وقد يأتي ذلك بالنسبة إلى من يصنّفون بـ”المؤثّرين” الذين يتحيّنون الفرصة للإنقضاض على نقطة “تماس مار مخايل” وإسقاطها عسكرياً وإخراجها من منطقة التأثير في العلاقة، بمثابة جائزة كبرى مجانية لهم. يصبح هنا المطلوب من الحزب، إدارة الأزمة بهدوء وروية على قاعدة “لا يموت الديب ولا يفنى الغنم”.