نداء الوطن
بينما كان الأمين العام للأمم المتحدة يجول على الشريط الحدودي جنوباً معايناً جوّ «السلام والوئام» الأممي على طول الخط الأزرق، كانت خطوط التماس تشتعل بنيران «الغرام والانتقام» بين الحلفاء على طول جبهات الأكثرية الحاكمة، والتقاذف يبلغ أشدّه على محاور الاقتتال اثر انهيار هدنة «المقايضة» القضائية – التشريعية – الانتخابية بين العهد وتياره والثنائي الشيعي… فانتفضت كل جهة لكرامتها المهدورة ونفضت عن ثوبها غبار «الصفقة» إثر انكشاف الأمور وافتضاح المستور أمام الرأي العام.
لا شك أنّ التجارب المريرة على مرّ السنوات الأخيرة أثبتت أنّ المنظومة الحاكمة اهتزت أكثر من مرةّ لكنها لم تقع لارتكازها على قوائم صلبة «طاعنة» في أعماق تركيبة الدولة ومؤسساتها، لكن مما لا شك فيه أيضاً أنّ «الطعنة» التي تلقاها رئيس الجمهورية ميشال عون من «بيت أبيه» وركيزة حكمه «حزب الله»، أفقدت المنظومة توازنها و»خلخلت» قوائمها تحت تأثير «سكرة الغضب» من سقوط الطعن الدستوري بتعديلات قانون الانتخاب، الأمر الذي شكّل «انتكاسة» رئاسية وسياسية وانتخابية للعهد وتياره، سرعان ما توعدا بردّها «صاعين» للثنائي الشيعي، وسط رشق من التصريحات والمعلومات والتسريبات العونية مساءً، تشي بأنّ قصر بعبدا بدأ تصويب إحداثيات «مدافع الرد» باتجاه «تفاهم مار مخايل».
فما أن أعلن رئيس المجلس الدستوري القاضي طنوس مشلب تعذر توصل المجلس إلى قرار في المراجعة المقدمة من تكتل «لبنان القوي» في تعديلات قانون الانتخاب واعتباره نافذاً و»ساري المفعول»… حتى أطلق رئيس التكتل جبران باسيل «شرارة» المعركة مع الثنائي الشيعي التي طالت نيرانها حارة حريك وعين التينة ولم تستثنِ السراي الحكومي على اعتبار أنّ الأمور «مش زابطة ومسرحية عين التينة ما مرقت علينا»، فتوترت الأجواء وتواترت المعلومات حول بلوغ «الغضب» العوني ذروته جراء «سقطة المجلس الدستوري» وفق توصيف مصادر بعبدا، قبل تحميل أوساط مقربة من دوائر الرئاسة الأولى «حزب الله» مسؤولية مباشرة عن هذه «السقطة» متوعدةً بأنه ستكون لها «تداعيات سلبية وعسيرة» على «تفاهم مار مخايل»… وصولاً إلى حدّ إعلان الناشط العوني شربل خليل صراحةً سقوط هذا التفاهم، بتغريدة على صفحته عبر موقع «تويتر» دوّن فيها عبارة «مات مخايل» فوق صورة تجمع عون مع الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله.
وإذ ستتجه الأنظار اليوم إلى اجتماع مجلس الدفاع الأعلى في قصر بعبدا لرصد منسوب انعكاسات التوتر المحتدم بين العهد والثنائي الشيعي على العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، لا سيما وأنّ الأخير اعتبره باسيل بشكل غير مباشر شريكاً في «مسرحية عين التينة» وتوعد بمساءلته في مجلس النواب عن سبب عدم انعقاد مجلس الوزراء، رأت مصادر سياسية أنّ المرحلة المقبلة ستكون «مفتوحة على مزيد من الاحتدام على كافة ساحات الاشتباك بين رئاسة الجمهورية و»التيار الوطني الحر» من جهة و»الثنائي الشيعي» من جهة أخرى، في محاولة للحد من الأضرار الانتخابية الناجمة عن فشل تطويق صوت الاغتراب إذا ما تعذرت محاولة «تطيير» الاستحقاق الانتخابي برمته»، متوقعةً أن «تمتد بقعة التوتير العوني إلى الساحة الحكومية وأن يتظهّر الخلاف بين الرئاستين الأولى والثالثة بعدة أشكال علنية، لتدفيع الرئيس ميقاتي ثمن وقوفه في وجه تمرير التسوية القضائية – الانتخابية على طاولة مجلس الوزراء».
وكان باسيل قد شهر أمس «صلاحيات رئيس الجمهورية والميثاقية» في المواجهة الدستورية – الانتخابية مع مجلسي النواب والوزراء، معتبراً «ما حصل ضرباً للميثاقية ولصلاحية رئيس الجمهورية في المادة 57 وسقوطا إضافيا للدستور»، وشدد على أنّ ذلك ستكون له «مترتبات سياسية على المنظومة المتحالفة مع بعضها في عهد الرئيس عون وعلى رأسها الثنائي الشيعي».
وفي المقابل، بدت أجواء السكينة طاغية على «عين التينة» مساءً إثر صدور «اللاقرار» عن المجلس الدستوري وبدا رئيس المجلس النيابي نبيه بري حريصاً على تبريد الأرضيات والرؤوس الحامية والحؤول دون تسعير نيران الاشتباك مع العهد وتياره، بحيث آثر عدم الخوض في أي تحليل أو تأويل للقرار الدستوري مكتفياً بالقول رداً على استفسار «نداء الوطن» عن رأيه بما حصل: «لا تعليق، لا تعليق، القرار صدر ولازم نلتزم فيه».
وعن كلام باسيل وإعلانه أنه تلقى اتصالاً وعرضاً قبل صدور قرار المجلس الدستوري يطرح عليه القبول بالتصويت في مجلس النواب على إحالة قضية المرفأ على المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء مقابل قبول الطعن الانتخابي، ردّ بري بحزم: لا تعليق إطلاقاً على كلامه «أش ما حكى»!