التيّار للحزب: “كفى!”
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
تنحو العلاقة بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” إلى مزيدٍ من التعقيد، ولم يَكن ينقص التباين، سوى نتيجة قرار المجلس الدستوري في ما له صلة بالطعن المقدّم من جانب العونيين ليزيد الضرب على الدف ضرباً.
من وجهة نظر التيار ، فإن الصورة أصبحت مكتملة، بضوء ما حدث وجرى أمس، وما نتج عن القرار كان عملياً، تظهيرٌ لـ”رباعي حليف” ضمن تركيبة المنظومة، يتبادل الخدمات في ما بينه وربما يتجاوزه بإتجاه الآخرين، ومع الأسف بات الحزب جزءاً لا يتجزأ منه، ربطاً بالإشارات التي أطلقها رئيس التيار جبران باسيل، خلال مؤتمره الصحافي الذي عقده يوم أمس. تبعاً لذلك، وفي ضوء الترتيب الحاصل والتغييرات المفترضة، بات على التيار إعادة التموضع، أو مفروضٌ عليه إجراءٌ مماثل بكل ما تعنيه كلمة “تموضع” من معنى.
في الواقع، ما كان باسيل يُخفي ذلك. لقد أسرّ في أكثر من مناسبة، أنه على “حزب الله” تحديد موقفه السياسي تجاه مستوى علاقته مع التيار، وبالتالي نقطة تموضعه بالنسبة إلى أركان المنظومة، وفي اللحظة المصيرية عليه الإختيار بين “نحن و هم”. في المقابل، لدى الحزب حسابات أخرى، يعلمها التيار جيداً ويتجاهلها أو لا يعتبرها ذات معنى بالنسبة إليه، تبدأ من ضرورات البيت الشيعي الداخلي، ومنها باتجاه البيت الإسلامي العام، ليصل بعد ذلك إلى الحالة الوطنية التي تأتي في ترتيب الأولويات بالمرتبة الثالثة، وهو ما لم يُسرّ التيار إطلاقاً، الذي لم يعد يخفى أنه يطالب بـ”تحالفٍ كامل” بكل ما لهذا التحالف من معانٍ.
في الواقع، تعامل ويتعامل التيار منذ مدة في العلاقة مع الحزب على القطعة، وفي أحيانٍ كثيرة، يخرج عن الأدبيات السياسية التي كانت مُعتمدة وسادت زمن قيادة العماد ميشال عون قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية، حين كان ممنوعاً “الدقّ بالحزب” لأي سبب كان، أما اليوم فنجد العونيين يتبارون في قدح الحزب بمختلف الأعيرة والمستويات السياسية ومن دون رادع، حتى اللجنة المصغّرة، التي أوكل إليها مرّة إجراء تعديلات على ورقة التحالف بين الجهتين، لم تعد صالحة للإستخدام أو بالأحرى باتت خارج الزمان والمكان، وحسب قول العونيين “لن تعود”، وربما لن تكون لجنة لـ”فكّ الإشتباك” بين الحليفين، بدليل أن الإجتماعات التي عُقدت، لا تتعدى أصابع اليد الواحدة.
عملياً، دشّن باسيل طريق التماهي عن “حزب الله”، فيما العليمون بالعلاقة بين الفريقين وبالوضع المسيحي العام، يلهجون بذكر علامات التباعد ولا يبالغون إن قالوا، إن باسيل بدأ خط طريق الخروج عن التحالف مع الحزب ولن يطول الأمر حتى يحصل ذلك. هذه المرة القضية مختلفة. لم تعد خلافاً حول موقفٍ سياسي ما، بل ثمّة “عدم ثقة” واتهامات متبادلة، باتت تتسلّل إلى العلاقة، ولو العونيين بخلاف الحزب المُحتاط، هم اكثر فئة تفصح عن هذا الجانب بحرية.
ليس سهلاً أن يُعلن باسيل بما يمثّل بالنسبة إلى العونيين ومن على منبر مؤتمر صحفي رسمي، أن ما حصل في المجلس الدستوري “تمّ بقرارٍ سياسي واضح من قبل منظومة متحالفة مع بعضها في عهد الرئيس ميشال عون وعلى رأسها في المجلس الدستوري الثنائي الشيعي، وهذا ما ستكون له مترتّبات سياسية”. قصد باسيل بكل وضوح من ذكر عبارة الثنائي الشيعي “حزب الله” وحركة “أمل”، وتقصّد جعلهما متساويين في العلاقة والنتيجة. ما أراد قوله أن الثنائي الشيعي متّفق مع بعضه على ضرب عهد ميشال عون! أي أنه يوجه اتهاماً صريحاً للحزب بالإنضواء إلى جانب “أمل” لضرب العهد، العهد نفسه الذي ساهم الحزب في الوصول إليه، والعهد نفسه الذي يُعاقب لبنان لأجله، والعهد نفسه الذي التصق اسمه بإسم “حزب الله”، والعهد نفسه الذي يعتبره الحزب عهده! إلى هذا المدى بلغت الأمور بين الحلفاء.
ليس سرّاً، وهذا لم يعد يقوله العونيون همساً، بل يعلنونه على الملأ، إن طبيعة التحالف مع “حزب الله” أو شكله لن يبقيا كذلك، وربما التباشير تذهب إلى تعديلات ستجري قبل مرحلة الإنتخابات النيابية المقبلة. الحديث هنا لم يعد يقتصر على محاولات لـ”ابتزاز حزب الله” لجرّه باتجاه تعديل مواقفه. ما يقولوه العونيون يقصدونه، وليس هو إلاّ وحي، يوحى من جانب قيادة التيار، العازمة على إيجاد حلّ لهذا التحالف، ما دام الثنائي الشيعي، هو فعلاً ثنائي شيعي بالتحالف والتعاضد السياسي بين أركانه.
في السابق، بُحَ صوت جبران باسيل وهو يصرخ قائلاً إن التحالف الثنائي يأتي علينا كتيار بالويل. كان خطاب الحزب يومها يقوم على التهدئة وإيجاد إطارٍ مرن، يرعى العلاقة بينه وبين حركة “أمل” من جهة، ومع “التيار الوطني الحر” من جهة أخرى. اليوم، وفي ضوء ما حصل، واعتبار التيار أن نتيجة قرار الطعن في المجلس الدستوري أتت عليه، وبالتالي أضرّت كثيراً بالتحالف، بات الحزب محشوراً. كيف سيفسّر موقفه لميرنا الشالوحي غداً؟ وكيف سيكون موقفها منه؟ هل ستقبل “الإعوجاج القائم” في العلاقة كما كان يحدث دوماً وتصمت لمتطلّبات المرحلة أم أنها ستنتفض؟
ثمّة على الضفة المقابلة، من يقلّل من محتوى خطاب باسيل تجاه الحزب تحديداً، على اعتبار أن النقاش الإنتخابي بين الفريقين، أخذ شوطاً وربما تمّ تسطير خطوط التحالف والتعاون الأولى في العديد من الدوائر المشتركة، في وقتٍ لم يعد يخفى على المطلعين، أن الحزب أبلغ بأنه مستعدٌ لوهب مقاعد مسيحية تقع في دوائره إلى التيار، وتبعاً لذلك، قد يعتبر العونيين أنهم نالوا جائزة ترضية من قبل الحليف، وهذا جائز ٌومتروك لحينه…
كُنا نقول في الساعات الماضية أن التضامن الوزاري أصبح على المحكّ كنتيجةٍ طبيعية لما آلت إليه الأمور السياسية، أما اليوم فبتنا نقول إن التضامن بين الحليفين الأصفر والبرتقالي، بات على المحكّ هو الآخر.