لا صوت يعلو فوق صوت التصعيد السياسي. فبعد سقوط التسوية التي كان يعمل عليها بشكل اساسي حزب الله لضمان عودة العجلة الحكومية للدوران بعد حل اشكالية المحقق العدلي بقضية انفجار مرفأ بيروت، سقوط تجلى بوضوح بعدم اصدار المجلس الدستوري قرارا بشأن الطعن الذي تقدم به «التيار الوطني الحر»، يمكن القول ان الامور مفتوحة على كل الخيارات والاحتمالات، وان كانت المواجهات الضارية ستُستعاد بعد عطلة الاعياد، وهو ما مهّد له بوضوح رئيس «التيار» النائب جبران باسيل بمؤتمره الصحافي يوم امس متهما «الثنائي الشيعي» بتعطيل واسقاط المجلس الدستوري، معلنا ان ذلك ستكون له مترتبات سياسية.
واعتبرت مصادر سياسية واكبت الاتصالات التي حصلت قبيل الجلسة الاخيرة للمجلس الدستوري ان محاولة كل فريق تحصيل عدد اكبر من المكاسب ادى لسقوط التسوية التي يحاول الجميع التبرؤ منها علما انهم كانوا على اطلاع ودراية بكل تفاصيلها. واشارت المصادر في حديث لـ «الديار» الى اننا مقبلون على مرحلة من التصعيد وان كان باسيل الذي وجه سهاما مفاجئة مباشرة لحزب الله بعدما كان كثيرون يتوقعون حصرها برئيس المجلس الـنيابي نبيه بري متحدثا عن حلف رباعي ضده، ترك خطا لـ «الرجعة» باعلانه الانفتاح على حلول للازمة الحكومية خارج اطار المقايضة. وبنظر المصادر، يبدو باسيل «محاصرا ولا يمتلك الكثير من الخيارات، فاعلانه الانقلاب على الجميع وقراره قلب الطاولة سينعكس عليه اولا من منطلق ان ذلك سيعني خسارة العام الاخير من العهد مع ما يعنيه ذلك من انفجار مالي واجتماعي والارجح امني»، وتضيف المصادر: «سيكون على الثنائي عون- باسـيل ممارسة الكثير من ضبط النفس على ان تتهيأ الفرصة لرد الصاع صاعين لاخصامهما فيحصل ذلك في المكان والتوقيت المناسبين».
التيار: لا خطوط حمراء بعد اليوم
وكان المجلس الدستوري عقد اجتماعه السابع والأخير برئاسة القاضي طنوس مشلب وحضور الأعضاء، واستأنف المداولات في الطعن، لكنه لم يتوصل الى قرار لتعذر تأمين أكثرية 7 أعضاء، فاعتبر القانون المطعون به نافذا.
وكان لافتا حديث مشلب بعد الاجتماع عن «سقطة» للمجلس لعدم تمكنه من اصدار قرار حيث قال «لم نتمكن من الوصول الى رأي موحد فاضطررنا الى القول اننا لم نصدر قرارا ويُعتبر القرار المطعون به ساري المفعول وتتم الانتخابات وفق القانون». وتابع «لم يطلب أحد منا شيئاً في السياسة والصفقة التي تحصل تكون بين أصحابها ولا تصل إلى أبواب «الدستوري» والنقاش كان قانونيا». واضاف: «لم يكن الانقسام لا طائفيًّا ولا مذهبيًّا ولم يكن المجلس منقسماً بالنصف وناقشنا النقاط كافة ووصلنا إلى النقاط حول المغتربين حيث كانت الآراء مختلفة». وتابع مشلب: «لست راضياً عن عدم صدور قرار ولكن لم يكن بالإمكان أكثر ممّا كان وما حصل قد يكون سقطة في نقطة معيّنة للمجلس الدستوري ولا أعرف ما إذا كان هناك تدخّل لدى أحد من الزملاء ولكن لا أشكّ بأحد».
وقالت مصادر «التيار» لـ «الديار»: «اسقطوا آخر مؤسسة يمكن ان نلجأ اليها. لم يعد هناك ما يدفعنا للرضوخ والصمت وسيرون نهجا جديدا بالتعاطي ولا خطوط حمراء من الآن وصاعدا.. لا مراعاة لا لحليف ولا لصديق».
بدورها، قالت مصادر دستورية لـ «الديار» انه لو اتخذ المجلس الدستوري قرارا برد الطعن، كان ليكون ذلك مفهوما وكان على الجميع الرضوخ للقرار، لكن عدم اتخاذ قرار يعني بوضوح ان هناك تدخلات سياسية كبيرة بعمل المجلس، باقرار من رئيسه الذي تحدث عن «سقطة».
لا جلسة حكومية قبل العيد
في هذا الوقت، ورغم سقوط التسوية، واصل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ضغوطه لعقد مجلس الوزراء. وقد نقل وزير التربية والتعليم العالي الوزير عباس الحلبي، عنه اصراره على «عقد جلسة لمجلس الوزراء استنادا الى القانون، خصوصا من اجل تأمين مقومات استمرار عمل المدارس حضوريا».
في المقابل، اكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بذل كل إمكاناته من اجل عودة مجلس الوزراء الى العمل بشكل منتظم وأعرب عن رفضه لما يحكى عن اي تسوية مشددا على انه لا يقبل بأي عمل يكون فيه مس بعمل المؤسسات وتحديدا القضاء. ونقل عنه النائب محمد الحجار الذي التقاه في السراي « أنه يبذل كل امكاناته من اجل عودة مجلس الوزراء هذه المؤسسة الدستورية الأساسية الى العمل بشكل منتظم، وهو لا يدخر جهدا في هذا السبيل. ونحن معه في كل ما يقدم عليه، ونؤيده في اي قرار يتخذه لعودة الانتظام الى هذه المؤسسة». أضاف: «في ما يقال عن تسويات فقد عبر الرئيس ميقاتي بأنه لا يقبل بما يحكى عن أي تسوية من هنا وهناك، وهو لا يقبل باي عمل يكون فيه مس بعمل المؤسسات الأخرى وتحديدا القضاء، ومثلما لا يقبل ان يتدخل بشؤون القضاء، كذلك لا يقبل بان يتدخل احد في شؤون عمل مجلس الوزراء والسلطة التنفيذية».
واستبعدت مصادر وزارية في حديث لـ «الديار» انعقاد الحكومة قبل فرصة الاعياد، معتبرة ان اي حل لم ينضج خاصة وان التأزم هو سيد الموقف حاليا نتيجة استياء «التيار» من «لا قرار المجلس الدستوري» الذي يعتبره مسيسا».
المساعدات للاكثر فقرا في آذار
وبالتوازي، وتفاديا لانفجار اجتماعي يبدو وشيكا، اجتمع ميقاتي يوم امس مع وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار حيث جرى التداول بمشروع الدعم للحماية الاجتماعية، وبتمويل البطاقة التمويلية، وأكد حجار ان «الدفع سيتم في شهر آذار بالدولار، وقد فتحت الحسابات لبطاقة برنامج أمان». وأشار حجار الى ان «الدعم هو على السكة الصحيحة والأجواء إيجابية».
ماليا ايضا، لفت امس حديث لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة اعتبر فيه أن حصول لبنان بموجب اتفاق مع صندوق النقد الدولي على دعم يراوح بين 12 و15 مليار دولار سيساعد على تحريك الاقتصاد مجدداً واستعادة الثقة. وأوضح سلامة في مقابلة مع وكالة فرانس برس أن «حصتنا في صندوق النقد هي أربعة مليارات ويمكن أن تأتي دول وتضيف عليها عبر صندوق النقد، ويمكن أن نصل عادة الى مبلغ يراوح بين 12 و15 مليار دولار» لافتاً إلى أنّ «هذا المبلغ يساعد لبنان لينطلق مجدداً ويستعيد الثقة».
غوتيريس: لا استجابة
من دون اصلاحات
وقبل مغادرته لبنان وبعد زيارة لافتة بالتوقيت والمضمون استمرت يومين، جدد الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس مواقف المجتمع الدولي المعتادة ان كان لجهة «وجوب تحقيق العدالة في ملف انفجار مرفأ بيروت عبر تحقيق شفّاف»، معلنًا تضامنه مع عائلات ضحايا انفجار المرفأ، او لجهة التشديد على «اجراء انتخابات نيابيّة حرّة ونزيهة لتكون فرصة للشعب لنقل أصواته».
ورأى غوتيريس في مؤتمر صحافي عقده ان الأزمة الاقتصادية في لبنان «هي أزمة عميقة كما نشهد أزمة تغذية ومن الضروري استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ووضع خطة تعاف وتعبئة المجتمع الدولي ولكن على المسؤولين تحمّل المسؤولية».
ولفت الى ان «المجتمع الدولي لن يستجيب في حال لم يلاحظ القيام بإصلاحات وهناك بعض الإجراءات التي يجب أن يتم اتخاذها في لبنان».
وكان غوتيريس زار صباحا المقر العام لليونيفيل في الناقورة، حيث كان في استقباله القائد العام لليونيفيل ستيفانو دل كول وكبار الضباط الدوليين. بعدها انتقل الى مكتب دل كول وعقد معه اجتماعا، واطلع منه على مهام اليونيفيل وعملياتها، واستمع لشرح مفصل عن دورها العملاني في جنوب لبنان. ثم جال يرافقه دل كول في الخط الازرق. كما زارا معا استراحة صور حيث اجتمع غوتيريش مع ممثلين من المجتمع المدني بعيدا من الاعلام، وسط تدابير امنية للجيش اللبناني في محيط المكان. وكان عدد من الناشطين نفذوا اعتصاما امام بوابة استراحة صور احتجاجا على عدم مشاركتهم في اللقاء مع غوتيريش، معتبرين ان المشاركين في اللقاء يمثلون انفسهم، وطالبوا بالاجتماع به لتقديم مطالبهم ومنها تنفيذ القرارين الدوليين 1701 و 1559.