لبنان مسرحاً استعراضياً دولياً.. وأرض معركة دساتير وطوائف
يأس اللبنانيين وغوتيريش
وعلى أهمية زيارة أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى لبنان، لا تخرج الزيارة عن سياق التضامن غير القابل لإحداث أي تغيير، سواء بدعوته القوى السياسية إلى الاتحاد للخروج من الأزمة، أو بدعوته الأخرى في مناشدة اللبنانيين للذهاب إلى عقد اجتماعي جديد.
وربما أهم ما في الزيارة أنها تضع البلاد على خريطة الاهتمام الدولي من بوابتين رئيسيتين: زيارته القوى العاملة ضمن اليونفيل في الجنوب اللبناني، وأهمية ملف ترسيم الحدود الذي تبدو فيه الأمم المتحدة عنصراً مراقباً أو متفرجاً، وليس عنصراً مقرراً.
رسالة غوتيريش إلى القوى السياسية، تتمثل بعدم لقائه أي من زعمائها، وباكتفائه بدعوتهم إلى التوحد. وهنا ثمة تناقض يشبه تناقضات المواقف الفرنسية التي تريد التغيير، وتدعو القوى السياسية إلى الانخراط في تسويات. وتمثل هذه المواقف فرصة لتستعرض القوى والشخصيات اللبنانية مواقفها. فذاك يدعو إلى اجتثاث الفساد ويستعد لشن حرب ضد خصومه، وآخر يدعي الحرص على الدستور وحمايته، وثالث يجوب الغرب والشرق ويفاوض الصناديق المانحة بلا نتيجة.
استعراضات التسوية وإخفاقها
ويستعد لبنان للدخول إلى مرحلة جديدة من الاستعراضات، تحتوي هذه المرة كثرة من الموبقات، سواء أنجزت التسوية أم لم تنجز. ويتضمن إنجازها التوافق على الصفقة المطروحة منذ أسابيع. وقوامها الانتقال من الصراع على تحقيقات مرفأ بيروت بكف يد القاضي طارق البيطار عن التحقيق مع الرؤساء والوزراء وإعادة الصلاحية في ذلك إلى مجلس النواب، إلى ما هو أشمل وأوسع، كإنجاز صفقة تعيينات وتشكيلات جديدة في القضاء، والأمن، وتطال جوانب سياسية وانتخابية.
وهذا عرض جديد لاستعراض المفاتن اللبنانية في الانقضاض على أي أمل يمكن اللبنانيين الرهان عليه. فالصراعات والخلافات بين القوى السياسية في الأحوال كلها جاهزة لمواجهة أي خطر قد يهدد مصالحها. وفي حال فشلت الصفقة، لا بد من التحضر إلى استعراضات أكبر، لتثبت القوى السياسية المتناقضة قدراتها وقوتها في خوض المزيد من المعارك في ما بينها. وهي حروب مفصلية في الأشهر المقبلة، وتبدأ بعد الأعياد باستخدام أي نوع من الأسلحة الدستورية والسياسية والطائفية. فهذه من مسلتزمات المعركة حتى تقرير مصير الانتخابات النيابية والرئاسية.
تداعيات الصفقة على المسيحيين
والصفقة المشهودة يغلّفها استعراض واضح: الجميع يشير إلى الالتزام بمعايير الدستور، منذ موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي من بعبدا حين قال: تم الاتفاق على حل قانوني ودستوري للأزمة. وبعدها حصل التراجع عنه، لتتوسع دوامة الأزمة فطالت كل شيء. فالصفقة لا يمكن عقدها على بند واحد، ولا بد أن يجد الأفرقاء ما يربطهم بها: من تعديلات قانون الانتخاب، إلى مصير المغتربين، ومصير القضاء وحاكم مصرف لبنان، والتسوية المنتظرة التي يسعى المختلفون إلى عقدها.
ويبقى السؤال عن ثمن الصفقة: هل يكون مقعداً نيابياً في البترون، أم حساباً رئاسياً، أم تجنباً لعقوبات خارجية على شخصيات جديدة؟ وكيف يكون ردّ فعل القوى الدولية التي تلوح بالعقوبات في حال حصل ذلك؟ وكيف تنعكس أصداء الصفقة على الأوساط المسيحية، التي تعتبر التحقيق في قضية المرفأ مسألة توازي الوجود؟ وكيف يمكن التيار العوني أن يشارك في جلسة للمجلس النيابي ويوفر لها النصاب لتطويق البيطار؟
لن تكون تداعيات هذه الصفقة أقل من خطر محدق على المدى الأبعد، وتنذر بانهيار أكبر.