“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
كان الذي حصل في الزلقا الأسبوع الماضي بمثابة جرس إنذار، سواء للأجهزة الأمنية أو العصابات الإجرامية. كانت هذه الأخيرة يملؤها الإعتقاد بأن القوة الأمنية والعسكرية، تنام على ظهرها من جراء “تخمة الأزمة”، لتكتشف غلوّها في التخيّل، وأن رجال الأمن “المنهكين” ، على أتمّ اليقظة وأحياناً كثيرة يقاتلون باللحم الحيّ.
لم يكن من قبيل الصدفة، إختيارُ عصابةٍ مسلحة لمصرفٍ في منطقةٍ كالزلقا، لاستهدافه بعملية سطو تُشبه إلى حدٍّ بعيد، أسلوب “البروفيسور” مع وقف التنفيذ. هذا الأمر أظهر وجود مرونة وحيوية لدى هذه المجموعات لانتقاء أهدافها بعناية وعلى مسافات بعيدة من أماكن وجودها أو نشاطها المُفترضة.
بالتوازي مع ذلك ثمة قضية مهمة يجدر لفت النظر إليها. فالنشاط الميداني الذي رُصد مؤخراً لعصابات ضليعة في أعمال السرقة والسطو وفي أكثر من مكان، أثبت أن هؤلاء لديهم بنك أهداف ويتحركون في سبيله، كما أنهم يستفيدون من حالةٍ مفترضة من التراخي الأمني، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن إكثار بعض وسائل الإعلام في التطرّق إلى ملفات تنحو بسلبية تجاه المؤسسات الأمنية، يؤدي إلى استثمارات أو استنتاجات خاطئة أحياناً تعمل على رفد بعض العصابات بالطاقة الإيجابية.
بالعودة إلى الموضوع الأساس، وفيما لو نجحت “عصابة السطو” على مصرف الزلقا من تحقيق غايتها الأساسية، أو تمكّنت من إظهار مكمن عطب لدى الأجهزة الامنية، كحال عدم تحرّكها على الفور، لكان قد أدى ذلك إلى تنشيط خلايا سطو في أكثر من مكان، ولكن شاهدنا “هجمة سرقة” استهدفت أكثر من بنك، كانت لتُتّخذ من جانب “جمعية المصارف” كذريعة لإصدار قرارات بإقفال أبوابها، مع ما قد يُسفر عن ذلك من نتائج وخيمة في ظل اقتصادٍ مضروب، ويعيد إلى الأذهان ما نتج عن قرار إقفال مشابه، كان قد اتُخّذَ خلال ثورة 17 تشرين 2017، وأدى إلى خلق فجوة بين الدولار و الليرة.
إذاً ضربة رجال الأمن وبالتحديد مخابرات الجيش اللبناني في العمروسية عند أطراف الضاحية الجنوبية لبيروت، كانت ضربةً إستباقية مُحكمة و مركّزة. بمعزل عن بيان الجيش اللبناني حول ارتباط العملية بما حصل في الزلقا لكون التعقبات لم تنتهِ بعد إلى صورةٍ واضحة حول المسؤولين وما حصل هناك بالضبط وهي مستمرّة، يُمكن القول أن “عملية الزلقا” شكّلت إطلاق نفير عام لدى مختلف الأجهزة، وكانت بمثابة المنطلق لوأد حركة العصابات التي رُصد نشاطها مؤخراً في مهده.
إذاً ما حصل في الزلقا ، كان عبارةً عن محاكاة أو مناورة بالذخيرة الحيّة، أُريد من خلالها اختبار مدى الجاهزية والقدرة الأمنية، وشكّل بالنسبة إلى الأجهزة الأمنية، جرس إنذارٍ أدى إلى استنفارها، ويبدو أن “المحاكاة العملانية” أدت إلى لفت نظر مخابرات الجيش على صعيد خطورة ما يحصل، فراحوا ونفذوا ضربةً أمنية في عمق منطقة مصنّفة بالخطرة، تبعاً لنشاط الخلايا الإجرامية فيها ولاكتظاظها السكاني، والذي يدفع جهازاً أمنياً أكثر من مرة إلى تنفيذ مداهمات على نطاق واسع وسريع و قاس، مخافة سقوط ضحايا من المدنيين.
عملياً، الضربة التي نفذتها مخابرات الجيش في العمروسية بإتقان شديد وبناءًعلى معلومات وتقاطع معلومات، حول نشاط مجموعة تمتهن السرقة والسطو والإعتداء والإتجار بالمخدرات وغير ذلك، وزعزعة أمن المنطقة، أتت بمثابة الضربة الإستباقية، ونتج عنها بحسب معلومات “ليبانون ديبايت”، إتخاذ القرار بالبدء بحملةٍ شاملة على العصابات المتوارية عن الأنظار، والتي تنشط في مجالات السرقة و السطو، التي تستهدف مصارف ومحال تجارية، والغاية وأدها في مهدها وشلّ أي قدرةٍ لها عبر ضربها في جحورها، وإلقاء القبض على أفرادها حتى ولو اضطُرّ الأمر إلى إردائهم في حال استخدامهم القوة، ولعلّ من النتائج التي ترمي الجهات الأمنية إليها، ليس فقط شلّ قدرة هؤلاء أو تفكيك ما يملكون، بل القضاء على أي إمكانية لمباشرتهم في تنفيذ مخططات باستغلال التراخي الأمني المزعوم من قبل “عصابات جوّالة” كما وصفتها جهات أمنية.
ولعلّ أسلوب تنفيذ “عملية العمروسية”، يحمل رسائل مبطّنة كافة لإثبات النيّة الأمنية. فعملية الإقتحام التي حصلت لشقةٍ كانت محلّ رصد دائم وشكّلت منطلقاً لتنفيذ عمليات إجرامية ومكاناً للإحتماء، و بالطريقة التي حصلت فيها على شكل غارة، يُظهر انها ترمي في الأساس إلى تظهير فائض القوة أو “العين الحمراء” ، وغاية ذلك ردع العصابات الأخرى عن القيام بأي عملية، وهذا إنما يُعتبر كدليل على الجهوزية رغم المصاعب.
قبل فترة كان مصدرٌ أمني مطّلع، يُنذر من وجود مخططات لدفع الوضع الأمني اللبناني إلى أماكن متفجّرة، ولإظهار مدى هشاشته وتكريس حالة من “انعدام الأمن الأهلي”، وكان يحذّر من نتائج ذلك وارتداداته على الوضع الأمني الهشّ. اليوم المصدر الأمني ذاته ما زال عند رأيه الأساسي، من أن مصدر الخوف، يجب أن ينحصر باتجاه المخلّين والمستفيدين من حالة الإنهيار والساعين إلى تحويلها باتجاه أن تكون “فوضى شاملة”. لهؤلاء “لا رحمة في التعاطي معهم. لقد أثبتنا مدى جهوزيتنا. بعدنا واعيين، ماسكين الأرض منيح، والرهان على ترسيخ حالةٍ من الصوملة ساقط”.