الشهيد القائد سمير القنطار الذي أمضى 30 عاماً في السجون الاسرائيلية وما لبث ان خرج منها حتى التحق بالصفوف العسكرية الميدانية لحزب الله وشارك في القتال في سوريا حيث يعتبر “قائد المقاومة السورية لتحرير الجولان ” قبل استشهاده في غارة اسرائيلية استهدفت منطقة “جرمانا” في دمشق.
لم تكن هذه المشاركة والمسؤولية العسكرية في الحزب الا نتيجة علاقة طويلة بين الشهيد القنطار وقيادة حزب الله، والتي تطوّرت منذ فترة أسره في السجون في فلسطين المحتلّة.
وفي هذا السياق، يكشف موقع “الخنادق” تفاصيل تلك العلاقة في مقابلة خاصة مع صديق الشهيد القائد الأسير المحرّر عبد الرحمن شهاب الذي عاش حوالي 15 سنة في السجون الاسرائيلية مع الشهيد سمير القنطار، والتقى به لأول مرّة في سجن “بئر السبع” عام 1994 .
الوعد المباشر من الامين العام بتحرير القنطار
يؤكد شهاب انه كان لسمير القنطار تواصل مباشر مع حزب الله ومع الأمين العام السيد حسن نصر الله بشكل دائم، ويروي عدّة مواقف من هذا التواصل:
يشرح شهاب أن عملية الأسر عام 2006 سميت بـ”الوعد الصادق” لأن السيد نصر الله اتصل بالقنطار وكلّمه مباشرة ووعده بتحريره في القريب، وذلك بعد عملية التبادل عام 2003 التي اطلق خلالها سراح جميع أسرى حزب الله ولكن الاحتلال امتنع عن الافراج عن سمير القنطار، وبالاشارة الى ان القنطار تواصل مع قيادة الحزب وطلب تمرير الصفقة حتى لو دونه وان لا يعرقلواها بسببه، فالسجن لن يهزّه ولن يغيّر من عزيمته.
فيما يشير الأسير المحرّر شهاب الى انه قبل عملية الأسر التي نفذها حزب الله في تموز عام 2006 حيث أسر جنديين اسرائيليين، كان الكيان الاسرائيلي يعرف أن حزب الله متأهّب وبأعلى درجات الاستعداد للقيام بالعملية، وكان الاحتلال يتوقعها وعاش حالة طوارئ آنذلك عند الخط الفاصل بين شمال فلسطين المحتلّة وجنوب لبنان، وفي أحد المرات جاء ضابط يتحدّث مع سمير القنطار ساخراً من الاستعدادات وان حزب الله لن يستطيع القيام بمثل هكذا عملية بعد تلك عام 2003 ، فأجابه القنطار متحدياً :” أدفع لك المبلغ الذي تريده مقابل أن تتواجد في ساعة محدّدة هناك في الشمال عند الحدود، وبعدها سيفرج عني مقابلك”.
آلية التواصل والمعلومات الدقيقة الفورية
أما عن آلية التواصل بين القنطار والأمين العام وقيادة الحزب، فيقول المحرّر شهاب انه لا يضر الحديث عنها لان الاساليب السابقة لم تعد تستخدم اليوم، حيث كان القنطار منذ عام 2003 وما قبل ذلك يمتلك هاتفاً خلوياً يتواصل مع الخارج من خلاله: “يتم الاتصال عبر دولة أوروبية تحوّل خط التواصل والمكالمة الى لبنان”.
ويتابع صديقه في الأسر عبد الرحمن شهاب، ان هناك صفة وميزة مهمة في شخصية سمير القنطار، هو هادئ جداً ومطمئن جداً، بما يعطي انطباعاً بأنه شخصية سهلة، لكنه وفي نفس الوقت صعباً في مواقفه وصلب. ويذكر شهاب من الفترات الطويلة التي عاشها معه، أثناء حرب تموز عام 2006 كان القنطار على تواصل وإطلاع مباشر مع قيادة حزب الله بما يجري خلال الحرب لحظة بلحظة، وخلال الحادثة التي وقعت بحيث ظنّ الاحتلال، نتيجة تشابه في الأسماء انه “اعتقل السيد حسن نصر الله” فيما كان الكيان قد اعتقل حارس مستشفى الرسول الأعظم يحمل صدفة نفس اسم الأمين العام، ووصل الخبر الى السجون. ويضيف شهاب أن الحادثة أثارت بعضاً من الارتباك والمخاوف في صفوف الأسرى، لكن القنطار كان يتجوّل في باحة السجن بكل هدوء، سأله شهاب عن الأخبار، فأجاب القنطار أنها ليست صحيحة من اللحظة الاولى للحدث نتيجة إتصال ومعلومات مباشرة توفرت لدى القنطار.
ماذا طلب القنطار من السيد نصر الله؟
اما بعد انتهاء العدوان الاسرائيلي على لبنان، يكشف شهاب ان القنطار طلب مباشرة من السيد حسن نصر الله، خلال المفاوضات بالوساطة بين الحزب والكيان، ان لا يفرج عنه الا ومعه 1000 أسير فلسطيني – بعدد شهداء العدوان – هذا من ناحية.
أما من ناحية ثانية، فيروي صديق القنطار حواراً جرى بينهما بحيث سأله في أواخر أيام حرب تموز عن مشاعره تجاه ما يحدث وان الحرب، بشراراتها المباشرة اندعلت نتيجة عملية الأسر من أجل صفقة تخرجه من السجن، فأجاب القنطار: “حرّيتي لا تستحق كل هذا الدمار الذي لحق بلبنان”، رغم ان الحرب كانت مخطط إسرائيلي – أمريكي محضّر منذ ما قبل عملية الأسر “لتدمير” لبنان، فكان يشعر بالناس وبقضية وطنه قبل قضيته الشخصية لانه مستمر في مقاومته سواء داخل السجن أو خارجه ويعيش حالة المقاومة.
وللتأكيد يضع الأسير المحرّر شهاب الدليل: انه “بعد أقل من شهر على انتهاء الحرب مع لبنان عثرت مصلحة السجون على هاتف القنطار في غرفته، لكن القنطار كان مصرّا على التواصل ولم ينقطع حيث استفاد من الأجهزة الخلوية للفصائل الفلسطينية في السجن، وكانت آنذاك تعد مرحلة متقدمة في امتلاك الأجهزة الخلوية، على عكس 2002 و2003 الفترة الصعبة والأمنية أكثر التي نجح سمير القنطار بالاحتفاظ بهاتفه الخاص دون معرفة أحد لذلك”.
اللقاء والتأثر بالدكتور الشقاقي
يتابع صديق القنطار الأسير المحرّر عبد الرحمن شهاب “للخنادق” عن كيفية لقاء القنطار بالشهيد المؤسس لحركة الجهاد الاسلامي في فلسطين المفكر الدكتور فتحي الشقاقي، حيث التقى به في عام 1988 في سجن “نفحة” وتشارك معه غرفة عزل أمنية واحدة وأمضى معه فترة جيدة. ويضيف شهاب ان من المعروف ان القنطار في البداية كانت أفكاره علمانية، فاطلع وتأثّر بأفكار الشهيد الشقاقي بما يخص الحركات الاسلامية وعملها ولا سيما على رؤية حركة الجهاد الاسلامي وخطها الفكري الذي أعجب به جداً. بالاضافة الى تواجد القيادي في حركة حماس ابراهيم المقادمة، فكانت غرفة من المثقفين، تدور فيها النقاشات الفكرية العميقة وغرفة نهضة علمية. وبعد هذه الفترة بقي على علاقة طيبة ووطيدة مع الفصائل الفلسطينية.
الكاتب:الخنادق