اندريه قصاص
تحت شعار”التضامن مع الشعب اللبناني” وصل الأمين العام للأمم المُتحدة أنطونيو غوتيريس أمس الى بيروت في زيارة تستمر حتى الأربعاء المقبل. والملفت فيها قيامه بالوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء مرفأ بيروت بالإضافة إلى زيارة ميدانية لعدد من المتضررين من هذا التفجير، في الوقت الذي يكاد بعض السياسيين ينسون هذه القضية، أو بالأحرى يستخدمونها وقودًا لخلافات سياسية تعمّق الشرخ بينهم، وتزيد من هول المأساة الإقتصادية والإنسانية.
إن زيارة غوتيريس ستحمل أكثر من مؤشر، خصوصًا أنه يحمل معه رسائل واضحة إلى السياسيين، الذين سيحمّلهم بالمباشر مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في لبنان، وسيكون صريحًا جدًّا بالنسبة إلى الشلل الحكومي، الذي لا يمكن أن يستمر، لأنّ أيّ اتفاق مع صندوق النقد الدولي والاصلاحات المطلوبة بإلحاح دوليّ، يحتاجان إلى حكومة فعّالة.
وستكون له سلسلة من التحذيرات – الممنوعات، والتي سيبلغها إلى المسؤولين الذين سيلتقيهم، ومن بينها:
- ممنوع “تطيير” الإنتخابات تحت أي حجة ولأي ظرف كان. فالإنتخابات محطة مفصلية في حياة اللبنانيين، وعليها يتوقف مستقبلهم.
- ممنوع ترهيب القضاء. فربط التحقيقات في إنفجار المرفأ بأمور سياسية أخرى أمر لا يجوز. ويجب بالتالي ترك القضاء يقوم بعمله حتى النهاية من دون أي تدخلات سياسية أو ممارسة أي ضغط عليه.
- ممنوع التهاون في تطبيق القرارات. فهي وُجدت لتُطبّق، وأبرزها الـ1701.فالأمين العام للأمم المتحدة لا يحمل بالطبع خارطة حلول للأزمات الإجتماعية والإقتصادية والمالية في لبنان، وخصوصاً، أنه استبق أي توقّعات بالتأكيد على أن إيجاد الحلول الدائمة للمشاكل والأزمات لن يأتي من خارج الحدود، أي من المبادرات والمؤتمرات الخارجية، بل من الداخل اللبناني، ومن قبل المسؤولين اللبنانيين بالذات، والذين باتوا اليوم، أمام تحدي تقديم المصلحة العليا للبنان على أي مصالح أخرى، مهما كانت طبيعتها. فكيف يمكن أن يطلب هؤلاء السياسيون من الخارج مساعدة بلدهم وهم لا يجتمعون إلى طاولة واحدة، ويمنع بعضهم عودة مجلس الوزراء إلى دورة إنتاجيته الطبيعية؟
فرسالته إلى اللبنانيين ستكون واضحة، لا لبس فيها. سيطلب منهم أن يستفيدوا من فترة السماح الدولية وبالقرار الجدّي بمساعدة بلدهم للخروج من أزماته. سيكون كلامه جريئًا ومباشرًا. سيُسمع جميع الذين سيلتقيهم كلامًا مغايرًا عمّا يسمعونه عادة. سيقول لهم أن عدم لجم الإنهيار المتسارع في كل القطاعات المالية والإقتصادية سيؤدي، وبشكل حتمي، إلى مضاعفة الأخطار والمآسي للشعب اللبناني. فإذا كانت عناصر المساعدة الخارجية متوافرة اليوم فيجب على اللبنانيين أن يسارعوا إلى التجاوب مع من يسعى إلى إنقاذ بلدهم من الغرق. وأولى هذه الخطوات تكون بالعودة إلى طاولة مجلس الوزراء، إذ لا يمكن أن تقدّم أي مساعدة في غياب الحكومة، لأنها وحدها القادرة على إتخاذ القرارات، المفترض أن تكون مصيرية، على كل الأصعدة.
وكان غوتيريس اعتبر خلال لقاء صحافيّ عبر الفيديو قبل يومين أنّه “ما من إمكانية لعودة لبنان إلى الطريق الصحيح ما لم يدرك القادة السياسيون اللبنانيون أنّ هذا هو الوقت المناسب، وربما الوقت الأخير الممكن، لتوحيد صفوفهم”، مشدّداً على أنّ “الأمر الأول الضروريّ هو أن يوحّد القادة السياسيون في لبنان صفوفهم”.
في أغلب الظنّ، ووفق ما هو ظاهر حتى الآن، فإن غوتيريس سيغادر لبنان بعد أيام، وقبل أن تحلّ الأعياد المجيدة، من دون أن يتغيّر شيء في واقع الأزمة اللبنانية، لأن ثمة قرارًا في مكان معيّن بإبقاء الوضع اللبناني على ما هو عليه في إنتظار ما يمكن أن تحققه محادثات فيينا من تقدّم يمكن البناء عليه مستقبلًا.
المصدر: خاص “لبنان 24”