سفير الشمال- غسان ريفي
يشكل قرار المجلس الدستوري المتعلق بالطعن المقدم من التيار الوطني الحر بالتعديلات التي أدخلها مجلس النواب على قانون الانتخابات، خصوصا ما يتعلق باقتراع المغتربين والذي من المفترض أن يصدر عنه اليوم أو غدا على أبعد تقدير، محطة هامة بالنسبة للاستحقاق الانتخابي المقبل الذي إما أن ينطلق بقوة مع عدم قبول الطعن وبقاء التصويت للـ 128 نائبا، أو أن ينتظر في حال قبوله ويدخل في متاهة توزيع نواب الدائرة الـ 16 على القارات وتقسيم الأصوات..
لا شك في أن إيجاد دائرة 16 في الانتخابات النيابية خارج الحدود اللبنانية يُعتبر خروجا عن المنطق في الشكل والمضمون، ويدخل في حسابات مصلحية صرفة، خصوصا أن كثيرا من المتابعين يؤكدون أن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ربط موافقته على قانون إنتخابات النسبية مع الصوت التفضيلي الساري المفعول حاليا، بإدخال بند الدائرة 16 إليه والعمل بها في دورة 2022، وذلك من دون دراسة كاملة حوله، الأمر الذي دفع بالأكثرية النيابية الى التوافق على تعديله..
بات واضحا، أن إقتراع المغتربين في البلدان المتواجدين فيها والذي إعتمد في إنتخابات العام 2018، ساهم في توفير أموال طائلة على التيارات السياسية التي كانت تحرص في كل إستحقاق على إستقدام ما أمكن من مغتربين للتصويت لصالح لوائحها وتحمل نفقات سفرهم وإقامتهم، حيث أصبح بمقدور كل هؤلاء إنتخاب من يريدونه من البلدان المنتشرين فيها، كما حاول البعض إيجاد توازن بين أصوات المسلمين والمسيحين، بإعتبار أن أكثرية المغتربين من المسيحين لكن الاحصاءات أظهرت أن المسجلين يتوزعون بين 60 بالمئة للمسيحيين و 40 بالمئة للمسلمين الأمر الذي لم يبدل من المعادلة.
أما الاصرار على إيجاد دائرة 16 لستة نواب يمثلون الطوائف في القارات في الدورة الانتخابية المقبلة، فيهدف الى التخلص نهائيا من تأثير نحو 225 ألف شخص تسجلوا للمشاركة في هذا الاستحقاق في الداخل اللبناني، خصوصا أن الأكثرية الساحقة من هؤلاء يميلون نحو المعارضة وما زالوا يعيشون ترددات ثورة 17 تشرين، لذلك فإن إيجاد دائرة خاصة لهم في الخارج حيث لا عين ترى ولا أذن تسمع، تشغل المغتربين ببعضهم وتنقل المعارك اللبنانية من سياسية أو طائفية أو مذهبية الى الخارج وهذا أمر يرفضه السواد الأعظم من المغتربين الذين يعتبرون أن مشاركتهم في إنتخاب الـ 128 نائبا يبقيهم على تماس مباشر مع وطنهم، علما أن ثمة معضلة ظهرت مؤخرا وهي أنه في حال أقر المجلس الدستوري الدائرة 16، فإن المسجلين باتوا ملزمين بانتخاب نواب هذه الدائرة، وفي حال رفض أحدهم ذلك، وعاد الى لبنان للمشاركة في الانتخابات فلن يستطيع ممارسة حقه الديمقراطي لأن إسمه قد حذف تلقائيا عن لوائح الشطب بمجرد أنه تسجّل في الخارج.
إذا، فإن قرار المجلس الدستوري سيضع لبنان أمام مفترق طرق بما يختص باقتراع المغتربين، فإما أن يرفض الدائرة 16 ويُطلق العنان لماكينات المرشحين إستعدادا للاستحقاق في أيار المقبل، أو أن يقرها ويفتح الباب على نقاشات سياسية وطائفية ومذهبية قد لا تنتهي لجهة وضع المراسيم حول كيفية ترشيح الطامحين لخوض الانتخابات وتوزيعهم على القارات والاتفاق على طائفة أو مذهب كل مرشح، فضلا عن التفاوت في أعداد الناخبين في كل من هذه القارات وإنعدام التوازن الذي قد يتسبب بأزمات إضافية لبنان بغنى عنها، وربما يكون ذلك سببا في تأجيل الانتخابات أو نسفها في حال وجد بعض التيارات أن إجراءها لن يكون في مصلحته.
لا يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل ثمة كثير من المغتربين في كل القارات يعترضون على الدائرة 16 ويرفضون إعتمادها، ويعتبرون تخصيص كل قارة بطائفة أو مذهب يشكل إساءة للمغتربين الذين لا يريدون نقل تجارب لبنان السيئة الى بلاد الانتشار، لذلك فإن هؤلاء ينتظرون بفارغ صبر قرار المجلس الدستوري ليبنوا على الشيء مقتضاه، فإما السير بانتخاب الـ128 أو البدء بتحركات لاسقاط الدائرة 16 في الداخل والخارج.