السعودية “راجعة”… على حصان الانتخابات النيابية

 

جوزفين ديب – أساس ميدي

تناقلت وسائل الإعلام خبراً منذ أيام يقول إنّ الوزيرين السابقين ملحم الرياشي ووائل أبو فاعور زارا المملكة العربية السعودية في محاولة لتصحيح العلاقة بين لبنان والمملكة.

الصحيح من هذه الرواية أنّ الرجلين زارا المملكة فعلاً، والتقيا “كبار المسؤولين”، غير أنّ الصحيح أيضاً أنّ الزيارتين منفصلتان، وكلٌّ منهما التقى شخصية مختلفة من “كبار المسؤولين السعوديين”.

لم يكن لبنان “كلّه” حاضراً على طاولة الاهتمام السعودي.

يتكتّم الرياشي وأبو فاعور عن مضمون لقاءاتهما، ويعبّران بخجل وبعموميّات عن “لقاءات جيّدة مع السعوديين”.

غير أنّ معلومات “أساس” تشير إلى أنّ المملكة تختار زائريها جيّداً لتعبّر من خلالهم عن موقفها تجاه لبنان بشكل دقيق. وعليه، اختارت أن تستقبل ممثّلين عن القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي في رسالة واضحة تتعلّق بمسار “العودة السعودية إلى لبنان”.

قبل ساعات من مغادرة السفير السعودي وليد البخاري لبنان على أثر الأزمة التي أحدثها تصريح وزير الإعلام المستقيل جورج قرداحي، تقصّد البخاري أن يكون لقاؤه الأخير في لبنان مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وكان في ذلك رسالة سعودية أيضاً مفادها أنّ جعجع يُعتبر من أقرب الشخصيات السياسية إلى عناوين المملكة لبنانيّاً.

بعد استقالة قرداحي ولقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فتحت المملكة أبوابها لبعض الشخصيات اللبنانية لتقول أوّلاً إنّ “المملكة عائدة إلى لبنان، لكن ليس كما كانت سابقاً”.

تشير مصادر مطّلعة على أجوائها إلى أن لا موعد لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي في المملكة. فهي تعتبره على الرغم من كلّ مواقفه اتّجاهها: “رئيس حكومة يتحكّم بها حزب الله، يغطّي مصالح رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل”.

أمّا الاتصال الذي أجراه ماكرون وبن سلمان بميقاتي فقد اقتصر على الشكليّات فقط. فماكرون الذي تدور كلّ حركته السياسية حول معركته الرئاسية المقبلة، حاول استخدام ورقة المجتمع المدني في لبنان، ثمّ لعب دوراً “ودّيّاً” مع حزب الله وإيران، وهو الآن يحاول القيام بصفقة تجارية مع المملكة. غير أنّ الأخيرة اختارت الالتفاف على حركة ماكرون والذهاب به إلى بيان مشترك سعودي فرنسي عالي السقف ضدّ حزب الله. وهو ما يناقض السياسة الفرنسية اتجاه لبنان منذ وصول ماكرون إلى بيروت بعد ساعات من انفجار المرفأ.

هذه الورقة الفرنسية السعودية هي عنوان الأجندة السعودية التي ستعمل بها المملكة في لبنان قبل الانتخابات المقبلة وبعدها. عنوانها الأساسي “الحدّ من نفوذ حزب الله”، بالإضافة إلى العناوين التي أرساها وليّ العهد في جولته الخليجية.

وبناءً عليه، تبدو القوات اللبنانية أوّل حلفاء المملكة في لبنان، ولا سيّما بعدما قرّر جعجع الهجوم في الأشهر الأخيرة قبل أن يتبعه في الهجوم على حزب الله رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط .

حلف المملكة مع جعجع وجنبلاط لا يعني أنّها غائبة عن الساحة السنّيّة. فوفق المعلومات أنّها تشدّ الهمم لاستنهاض الطائفة السنّيّة، وإبعادها عن التطرّف، وإبعادها أيضاً عن حزب الله. كيف ذلك وعبر أيّ شخصيات تستعدّ المملكة للعودة؟

لا رؤية سعودية واضحة بعد لكيفيّة استنهاضها الساحة السنّيّة، غير أنّ الأكيد أنّها “لن تتركها تائهة”.

قرار المملكة هذا ليس يتيماً، فهو جاء بعد اتفاق أميركي فرنسي سعودي فتح الباب لعودة سعودية دبلوماسية سياسية واقتصادية: دبلوماسية عبر حضور دبلوماسي وازن، وسياسية عبر تمكين التحالفات، واقتصادية عبر صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى دعم عسكري للجيش اللبناني.

خلاصة الأجواء السياسية هذه، المرافقة للحركة السعودية، تفسّر الكثير من تطوّرات المشهد اللبناني. من معراب إلى المختارة، إلى بيروت حيث العيون شاخصة إلى هويّة الشخصيات السنّيّة التي ستختارها الطائفة وسيرعاها الإقليم. وإلى ذلك الحين سيكون اللبنانيون على موعد مع اشتداد الاشتباك السياسي والطائفي، وهو ما يسبق غالباً الاستحقاقات النيابية.

Exit mobile version