انتهت الجولة السابعة لمفاوضات فيينا لاعادة احياء الاتفاق النووي بين ايران والسداسية الدولية الموقع في تموز /يوليو 2015، انتهت الى الاتفاق على مسودة خطة للحل من المفترض ان تعاود الاطراف الاجتماع لنقاشها واقرارها بعد عشرة ايام، اي في السابع والعشرين من هذا الشهر كانون الاول /ديسمبر 2021.
يتعمد طرفا التفاوض ابقاء المفاوضات والاوراق التي قدمتها ايران ومسودة خطة الحل في حالة من الغموض واخفاء التفاصيل عن الرأي العام، ويكتفيان بالحديث عن محادثات بناءة وايجابية من دون الخوض في الاليات التي ادت الى هذه الايجابية، وما هي التنازلات التي قدمها كل طرف من اجل الوصول الى النقطة الوسط التي سهلت هذه الايجابية، وسمحت لكلا الطرفين التأكيد عن امكانية التوصل الى حل نهائي قبل نهاية هذه السنة في حال وجدت النوايا الجدية لذلك.
يمكن القول ان طرفي التفاوض، اي ايران والسداسية الدولية، ذهبا الى طاولة التفاوض، وهما يدركان بوضوح انهما مجبران على التوصل الى تفاهم يضع حدا للتداعيات السلبية لاستمرار الوضع القائم، فمن الجهة الايرانية، يبدو ان الاجبار الذي فرض على النظام العودة الى التفاوض، على علاقة وثيقة بالاثار السلبية الكبيرة للعقوبات والحصار على الاقتصاد الايراني والاوضاع المعيشية للايرانيين، والتي وصلت الى مستويات خطيرة قد تؤدي الى انفجار الشارع ودخول الوضع في مواجهات مفتوحة في الشارع بين النظام واجهزته والمواطنين الذين باتوا يرزحون تحت اعباء تأمين يومياتهم المعيشية نتيجة الانهيار الاقتصادي الذي دمّر كل شيء حتى وصل الحال الى اعدام الطبقة المتوسطة التي تشكل الرافعة الاساس في اقتصادات اي دولة.
ومن الجهة الدولية، وهنا لا فرق بين الترويكا الاوروبية وواشنطن وبين روسيا والصين باعتبارهما حليفتي ايران، فان الحاجة والاجبار الذي تواجهه هذه العواصم بضرورة التوصل الى اتفاق واعادة ايران لتطبيق المقررات الدولية المتعلقة بالشأن النووي، بات مفصليا في هذه المرحلة، خاصة وان النظام الايراني استطاع استغلال وتوظيف العامل الزمني بعد قرار ادارة الرئيس الامريكي السابق دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاق، في تنشيط وتطوير انشطته النووية ونقل عمليات تخصيب اليورانيوم من مستوى 20 في المئة الى مستوى 60 في المئة مع ترك الباب مفتوحا امام رفعه بسرعة في حال استمرت ازمة التفاوض تراوح مكانها من دون العودة الى الاتفاق الجديد والقبول بادخال تعديلات عليه. وذلك من منطلق ان عودة الرقابة على الانشطة الايرانية تقطع الطريق على مواجهة حقيقة “عسكرة ” البرنامج النووي الايراني، وما يعنيه ذلك من الدخول في دائرة التعامل الجدي مع هذا البرنامج وضرورة تعطيله حتى وان كان المدخل الى ذلك “عمل عسكري”، لن يكون من دون تداعيات على الامنين الدولي والاقليمي.
السقف العالي الذي ذهب المفاوض الايراني متسلحا به الى طاولة التفاوض، قام على اساس ان لا تنازلات او وعود بالتعاون قبل الحصول على ضمانات بالغاء ورفع جميع العقوبات الاقتصادية ذات الطابع النووي او الطابع الانساني ودعم الارهاب وغسيل الاموال وتمويل الجماعات الارهابية، وهو المبدأ الذي تعاملت به طهران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وآليات التفتيش والمراقبة المتفق عليها. الا ان الحقائق التي اصطدم بها المفاوض الايراني في الجلسة الثانية للجولة السابعة ودخول مجلس الامن على خط التحذيرات، اوصل رسالة للقيادة في طهران وغرفة اتخاذ القرار في المجلس الاعلى للامن القومي شكلا، بضرورة اللجوء الى خطة بديلة قبل الوصول الى حائط مسدود قد ينهار على رأس النظام والحكومة التي انتجها على المقاييس التي يريدها. ما فرض عليه خيار التنازل من اجل الحفاظ على النافذة التي فتحتها فيينا للحل، فكان قرار العودة الى التعاون مع الوكالة الدولية والسماح باعادة تركيب كاميرات مراقبة في منشآة “تسا” في كرج التي سبق ان تعرضت في شهر آب الماضي لهجوم بطائرة مسيرة اسرائيلية حسب الاتهام الايراني، مع الإبقاء على شرط الاحتفاظ بالتسجيلات داخل ايران الى حين رفع العقوبات.
بين واقعية السلطة الايرانية، المحكومة باعتبارات عديدة، في مقدمتها صعوبة الوصول الى حل نهائي لأزمة متراكمة ممتدة الى اربعة عقود بما فيها من انهيار أسس جدار الثقة بين طهران وواشنطن، وبين طوباوية بعض التيار المتشدد الذي بنى معركته مع الحكومة السابقة برئاسة حسن روحاني وفريقه المفاوض بقيادة وزير خارجيته محمد جواد ظريف، واعتبر اتفاق عام 2015 وصمة عار لحقت بايران نفذها هذا الفريق ضد المصالح القومية والاستراتيجية للنظام الاسلامي ورؤيته العالمية. يبدو ان حالة “ترمبية” متشددة داخل التيار المحافظ بدأت تتشكل، متأثرة سلبا بحالة “الليونة” التي ذهب اليها النظام والفريق المفاوض الجديد الذي من المفترض ان يكون ممثلا لشعارات هذه الجماعة بما فيها من طوباوية، خاصة في مسألة التمسك بمطلب الغاء جميع العقوبات التاريخية والمستجدة التي فرضتها امريكا والغرب ضد النظام الاسلامي.
هذه الانقسام في الموقف حول الجولة الجديدة من المفاوضات، وما يصدر من مواقف ايرانية رسمية تؤكد الرغبة الجدية بالانتهاء السريع الى اتفاق مع السداسية الدولية ينهي حالة الحصار ويعيد دمج ايران بالاقتصاد العالمي، يحمل مؤشرات عن امكانية اتساع رقعة التباين داخل التيار المحافظ على خلفية الموقف من “الليونة الشجاعة” التي يبديها النظام في التعامل مع الشروط الدولية، ورفض اي “تنازل” والتمسك بانهاء جميع العقوبات بما هو حق ايراني يمثل موقف هذا الجناح. ما يعني العودة الى الجدل الذي كان سائدا في مرحلة روحاني، والصراع بين مصالح الدولة والشعب في التفاوض وانهاء العقوبات، وبين فئة داخل التيار المحافظ ترى في الاتفاق ضررا قد يلحق بمصالحها سواء الاقتصادية وما تحقق من عائدات نتيجة تحكمها بالانشطة المالية والاقتصادية، ومصالحها السياسية التي تصب في اطار تعزيز رؤيته للامساك بالسلطة وفرض التوجه الذي تريده حتى ولو ادى الى انفجار الشارع الشعبي لاعتقادها بقدرتها على السيطرة عليه واخذ السلطة بالاتجاه الذي تريده وترغب به.