سقوط التاج الأميركي
لماذا يشغل اقتراب ايران من العتبة النووية واشنطن حدّ استنفار امكاناتها الديبلوماسية، والعسكرية القصوى، للحيلولة دون ذلك، ودون أن تشكل تلك العملية، بالبعد الجغرافي، والتكنولوجي، أي تهديد لأمنها الاستراتيجي.
هل هي البنية التوتاليتارية، أو البنية الثيوقراطية، لنظام آيات الله ؟ بعض كبار الباحثين الأميركيين يعتقدون أن ايران لا بد أن تكون أقل توتراً، وأقل «عدوانية»، بطبيعة الحال أكثر براغماتية، في تعاطيها مع العالم اذا شعرت أنها، بالـ «وسادة النووية» باتت بأمان من الهيستيريا الأميركية، والهيستيريا «الاسرائيلية».
حتماً القنبلة ليست للاستعمال، بل انها قد تفتح أبواباً ديبلوماسية كثيرة. ربما حدت أيضاً من غلو القبضة الفولاذية في التعامل مع القوى الداخلية الداعية الى التحديث التدريجي في آليات السلطة.
اذا كانت المسألة تتعلق بالخشية من تأثير الايديولوجيا في صياغة السياسات، ومن الهيكلية المقفلة للنظام، النظام في كوريا الشمالية، وهي المشاطئة للباسيفيك (اذا كان الأميركيون يذكرون ما حدث في بيرل هاربور ابان الحرب العالمية الثانية) أكثر انغلاقاً، وأكثر تجهماً. الرؤوس النووية لا تصل فقط الى لوس انجلس وسان فرنسيسكو فقط، وانما أيضاً الى واشنطن ونيويورك.
وكيف للقنبلة الباكستانية في بلد الـ 225 مليون نسمة ألاّ تثير القلق الأميركي؟ الجيش الذي طالما رأى فيه البنتاغون الجيش الرديف في تلك المنطقة من آسيا، يقترب أكثر فأكثر من الصين، ومع اعتبار الانتشار المروّع للجماعات الاسلامية الراديكالية، ودور الاستخبارات الباكستانية ان في العلاقات مع حركة «طالبان»، أو في ادارة التضاريس التي تقود الى تورا بورا …
ماذا عن القنبلة الهندية؟ الحزب الهندوسي الحاكم، بنزعته النازية لا يرى في الكتلة الاسلامية (نحو 200 مليون نسمة) أكثر من جالية هجينة، أو القنبلة التي لا بد من القائها، ولو بالتوابيت، خارج الخارطة الهندية.
لن نتوقف عند الترسانة الصينية الهائلة. هنا المشكلة الكبرى التي لا بد أن تكسر معادلة الاستقطاب الأحادي التي كرّسها جورج بوش الأب، غداة تفكك الأمبراطورية السوفياتية، وقيام عالم متعدد الأقطاب.
نذهب الى الترسانة النووية «الاسرائيلية» التي باستطاعتها ازالة كل بلدان الجوار، ودون أن تكون أمامها أي عوائق، حتى اذا ما فكّر جون كنيدي بايفاد بعثة لمراقبة عمل مفاعل ديمونا، تم اغتياله بذلك السيناريو المثير، والذي لا تزال بعض حلقاته غامضة حتى الآن.
ألا تقوم «اسرائيل» على الايديولوجيا الأكثر بربرية في التاريخ؟ المسألة لا تقتصر على المجاهرة بالتفوق النوعي (شعب الله المختار)، بل تتعداها الى وصية ملوك التوراة، وبوحي من يهوه، باجتثاث الآخرين.
هل حقاً أن السبب في الاستنفار الأميركي منع حكومة نفتالي بينيت من تنفيذ عملية عسكرية قد تتوّج بضربة نووية ضد ايران، مع ما لذلك من تداعيات أبوكاليبتية على الشرق الأوسط. بطبيعة الحال على المصالح الأميركية.
ادارة جو بايدن ضائعة، بل أن الدولة العميقة ضائعة في كيفية التصدي للرياح التي تزعزع الموقع الأميركي. هكذا كان افتعال المشكلة على الحدود الروسية ـ الأوكرانية.
التصعيد الأميركي في ذروته، قبل أن تفاجأ الادارة بالنتائج الصاعقة للقمة الافتراضية بين فلاديمير بوتين وشين جينبينغ. الاتفاق لم يكن فقط حول المواجهة العسكرية المشتركة، بل وعلى انشاء منظومة مالية مستقلة، ما يعني سقوط التاج الأميركي.
لنتذكر نصيحة هنري كيسنجر لدونالد ترامب… لا تدع الصين تقترب من روسيا، ولا تدع روسيا تقترب من الصين لأن في ذلك خراب أميركا. العلاقات باتت عضوية بين البلدين، مع وجود تنسيق سري بينهما وبين ايران. وهذا ما أربك واشنطن في الشرق الأوروبي، وهي المربكة في الشرق الآسيوي، ليجري الحديث عن لقاء آخر بين بايدن وبوتين قبل نهاية العام.
التنسيق يشمل، بطبيعة الحال، الفالس الديبلوماسي على ضفاف الدانوب، حتى اذا ما عاد الاتفاق النووي الى الحياة سيكون المدخل الى اتفاق أميركا وروسيا والصين على نظام دولي جديد يحدث تغييراً دراماتيكيا في خارطة المعادلات، والعلاقات، الدولية. الشرق الأوسط جزء من الصفقة الكبرى.