حركة حماس وجناحها العسكري “كتائب الشهيد عز الدين القسّام”، الذي انطلق في الرابع عشر من شهر كانون الأول عام 1987 والذي بدأ عمله العسكري الاوّل بمجموعات سرية صغيرة ومتفرقة قاتلت بالسكين والعبوات المفخّخة، قد نضج في عقده الرابع، وشكّل بنية هيكلية وتنظيمية واضحة، بقدرات عسكرية مهمة يأخذها كيان الاحتلال على محمل التهديد الجدي، لكن التطّور الأبرز تمثّله انطلاق المناورات الواسعة على كافة أصعدة العمل العسكري وأنواع المواجهات (البرية والبحرية والجوية…) والتي تحاكي مناورات الجيوش النظامية العالمية.
فقد أطلقت كتائب القسّام يوم أمس مناورات “درع القدس”، وأعلنت أنها تأتي في سياق “سلسلة من التدريبات العسكرية المتواصلة لمحاكاة مختلف أشكال العمليات القتالية”، وتهدف الى “رفع الجهوزية القتالية”. فيما لم تكشف الكتائب عن مدّة المناورة وعدد الأفراد المشاركين فيها.
مناورة هجومية
ولأول مرّة في تاريخ المقاومة الفلسطينية، تبارد الكتائب الى مناورة توصف بحسب المؤشرات العسكرية الميدانية أنها “مناورة هجومية” وليست فقط دفاعية عن مواقع المقاومة والتجمعات المدنية السكنية، ويوضح الخبير الفلسطيني في الشؤون العسكرية والإسرائيلية حسن لافي في حديث خاص لموقع “الخنادق” ان هذه المؤشرات تتلخّص بالآتي:
_ أولاً ان المناورة تحاكي الضربات الصاروخية البعيدة المدى والدقيقة الاتجاه.
_ ثانياً يُستخدم في المناورة نوع جديد من الأسلحة بالإضافة الى الطائرات المسيرة، وهي لم تستخدم سابقاً، وهذا شكل من أشكال تفعيل قوة المقاومة في إطار ارباك الجبهة الداخلية للكيان الإسرائيلي.
_ ثالثاً، الانتشار الميداني لمواجهة الاقتحام البري، ويؤكد لافي ان هذا يعتبر عسكرياً من الأمور التي لها علاقة ليس فقط بالدفاع بل تحاكي كيفية خطف الجنود الإسرائيليين وتدمير آليات جيش الاحتلال المتمركزة عند حدود قطاع غزّة.
رسائل الردع والجهوزية
ويضيف الخبير في الشؤون العسكرية والإسرائيلية ان المناورة تحمل رسالة الردع، فالكيان الإسرائيلي منذ فترة أكثر من شهرين وطائراته الاستطلاعية تحوم في أجواء قطاع غزّة بالإضافة الى تهديداته الكثيرة على المستوى السياسي – التي نقلت عبر الوسطاء وعلى المستوى العسكري، وتريد بذلك “ممارسة الردع” تجاه المقاومة الفلسطينية، لكن المناورة تقلب موازين القوى ضد تهديداته وتشكّل بذاتها الردع لكيان الاحتلال الذي يعاني عدّة مشاكل في المنطقة لا سيما في ملف النووي الإيراني، كما تأكيداً أن المقاومة قادرة على خلط كافة أوراقه ليس فقط على مستوى الجبهة مع قطاع غزّة أنما أيضاً اقليمياً.
وكذلك تشير مصادر الأمنية والعسكرية الفلسطينية الى ان تكتيكاً جديداً يُضاف في مناورة “درع القدس” يميزها أيضاً عن المناورات السابقة حيث أنها تهدف الى “التحكم والسيطرة وتضليل العدو، واقتحام إلى أرض العدو”. وتؤكد المناورة على الحضور الميداني الدائم واليقظ لكتائب القسام، واستمراها في مراكمة القوة العسكرية والاستخبارية، كما تأتي في سياق التدريب وتأهيل العناصر والأفراد على كافة الفنون القتالية وأنواع المواجهة مع جيش الاحتلال.
بالإضافة الى ذلك تجسّد المناورة جهوزية المقاومة وتثبت ترميمها لقدراتها العسكرية التي قد يظن الاحتلال انها استنزفت في معركة “سيف القدس”، كما تحمل الرسالة الواضحة بأن الفصائل الفلسطينية حاضرة للخيار العسكري اذ اضطر الأمر وفشلت المفاوضات بالوساطة ولم يرضخ كيان الاحتلال للمطالب السياسية بتسهيل الحركة عند المعابر ورفع يد الحصار عن قطاع غزّة والمباشرة الجدية بعملية إعادة الاعمار دون مراوغة ورهان إسرائيلي على الوقت.
تثبيت معادلات “سيف القدس”
فيما لا تزال تؤكد قيادات في حركة حماس ان المناورة تعني عدم التراجع عن المعادلات التي انجزها معركة “سيف القدس” في أيار الماضي أن القدس ما زالت إحدى قواعد الاشتباك بالنسبة لكتائب القسام، وأن أي عدوان على المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح سيكون بمثابة إعلان حرب ضد الشعب الفلسطيني”، وتبقى الأولية لتحرير الاسرى من سجون الاحتلال حيث ان “كتائب القسام مستعدة لزيادة الغلة”، عبر مزيد من أسر جنود إسرائيليين، في حال اعتمد الاحتلال سياسية التسويف للتهرّب من شروط حماس في الصفقة جديدة.
الكاتب:الخنادق