“منصّة الترقيع” مرّت في ثلاث مراحل وأدخل عليها الكثير من التعديلات ولم تنجح في لجم الدولار الضرب بـ “صيرفة” حرام

فشلت sayrafa في الحلول مكان السوق الموازي (فضل عيتاني)

خالد أبو شقرا-نداء الوطن
لو قُدّر لمنصة صيرفة أن “تُمطر” إنخفاضاً في سعر الدولار، لكانت “غيّمت” حلولاً منذ إطلاقها في نهاية حزيران العام 2020.

كل مرة كان يلامس فيها سعر الصرف الضوء الأحمر، مطلقاً جرس الإنذار، تجتمع السلطتان السياسية والنقدية و”ترقّعان” بـ”المنصة”، (عرفت بـ “الوحدة” في شكلها الأولي). وذلك من خلال ضخ كمية من النقد الصعب. فيهدأ الدولار لفترة، ليعود و”يخرج عن عقاله”، مع انسداد الأفق السياسي، وإصدار المزيد من القرارات والتعاميم المناقضة.

“الوحدة” والتعميم 149

مطلع نيسان من العام 2020 وأمام ازدياد الطلب على الدولار وارتفاع سعر صرفه من حدود 2500 ليرة إلى حوالى 4000 ليرة أصدر مصرف لبنان التعميم 149. فأنشأ بموجبه وحدة خاصة في مديرية العمليات النقدية، عُرفت بـ “الوحدة”، تتولى التداول بالعملات الأجنبية النقدية بالدولار وفقاً لسعر السوق. وأتاح لمؤسسات الصرافة فئة (أ) الراغبة بالتداول بالعملات الأجنبية أن تتقدم من هذه الوحدة بطلب اشتراك، على أن يعود لمصرف لبنان حق اختيار المؤسسات المشاركة. وبدأ التداول بناء على هذا التعميم على سعر 2600 ليرة. بعد فترة قليلة على هذا التعميم الهادف إلى كبح جماح الدولار، اتخذ مصرف لبنان بتاريخ 16/4/2020 قراراً وسيطاً حمل الرقم 13220، ألزم بموجبه المؤسسات المالية غير المصرفية التي تتعاطى التحويلات الالكترونية، تسديد قيمة أي تحويل نقدي الكتروني بالعملات الاجنبية وارد اليها من الخارج بالليرة اللبنانية وفقاً لسعر السوق، وأن تبيع من الوحدة الخاصة المنشأة في مديرية العمليات النقدية لدى مصرف لبنان العملات النقدية الاجنبية الناتجة من هذه العمليات. وذلك من أجل تمويل السلة الغذائية المكونة من 300 صنف. ومن وقتها بدأ يرتفع الدولار حتى يصل إلى 10 آلاف ليرة. ولم ينخفض إلا بعد انفجار المرفأ في آب 2020 نظراً لتدفق المساعدات الخارجية.

المنصة 1 والتعميم 154

بعد نحو شهرين على الموت السريري لـ”الوحدة” ومع الارتفاع الكبير في سعر الصرف أطلق مصرف لبنان في 26 حزيران 2020 منصة صيرفة. وبدلاً من فتحها أمام جميع العمليات وتعزيزها بالشفافية، “ثبّتت sayrafa على نحو تعسفيّ”، سعر الصرف الخاصّ بها ليبقى عند 3900 ليرة لبنانية مقابل الدولار منذ تأسيسها. وبعد مدة قصيرة، وتحديداً في 27 آب 2020 أصدر المركزي التعميم 154 الذي نص في المادة الثالثة منه على ضرورة تكوين كل مصرف خلال مهلة تنتهي في 28 شباط 2021، حساباً خارجياً حراً من أي التزامات لدى مراسليه في الخارج لا يقل، في أي وقت عن 3 في المئة من مجموع الودائع بالعملات الأجنبية لديه كما في 31/7/2020. هذا التعميم الذي لم يؤخذ على محمل الجد في البداية، دفع المصارف قبل انتهاء المهلة إلى التوجه إلى السوق ولمّ ما استطاعت من دولار. فشهد سعر الصرف مطلع العام 2021 وتحديداً في كانون الثاني وشباط ارتفاعات كبيرة وصلت إلى حدود 10 آلاف ليرة بعدما تراوح سعر الدولار في نهاية 2020 بين 7 و8 آلاف ليرة.

صيرفة 2

رغم الفشل الذريع أعيد إحياء “المنصة” في أواخر نيسان 2021 تحت إسم “صيرفة 2″، على أن تكون أشمل وأكثر شفافية وتساهم في قيادة سوق الصرف بدلاً من التطبيقات. وذلك بعدما تخطى سعر صرف الدولار عتبة 15 ألف ليرة في آذار 2021. وقد بدأت المنصة عملها الفعلي على سعر صرف 10 آلاف ليرة في مطلع أيار. وكان الهدف استقطاب الطلب التجاري على الدولار عبر منصة حرة يتحدد فيها سعر الصرف بناء على العرض والطلب الحقيقيين. إلا أن اقتصار المشاركين عليها على بعض البنوك، ووجود عارض وحيد للدولار عليها هو مصرف لبنان، واعتماد سياسة البيع الاسبوعية للدولار… أفشل مهمتها للمرة الثالثة على التوالي. فما كان من مصرف لبنان إلا أن أعلن في حزيران أن “تنفيذ عمليات بيع الدولار الأميركي للمسجلين على منصة صيرفة سيكون حراً وبشكل يومي. ومع هذا بقي حجم التداول عليها محدوداً لا يتجاوز بضعة ملايين من الدولارات وبسعر أقل بحدود 30 إلى 40 في المئة من سعر السوق الموازية. من دون أن يتضح الغموض الذي يلف 3 عناصر رئيسية:

– من المستفيد من بيع المركزي للدولار المدعوم؟

– وعلى أي أساس يحدد سعر الصرف؟

– من أين يؤمن مصرف لبنان الدولار، الذي يتدخل بواسطته بائعاً على المنصة؟

عيب بنيوي

ثمانية أشهر مرت على آخر تحديث من دون أن تُثبت المنصة نفسها. الخبراء يرون في تكوينها عيباً بنيوياً، وأن إنشاءها كان “رفع عتب”. فالمصارف كانت المساهم الأكبر برفع سعر الصرف في الأمس لتلبية شروط التعميم 154 قبل أن يصدر المركزي تعميمه الشهير في 17 آب 2021 الذي يمنع فيه المصارف من شراء الدولار من الصرافين. وبذلك تحول المركزي الى المضارب الأكبر على الليرة من خلال شرائه الدولار من السوق السوداء لتمويل عملياته. هذا الواقع انفجر مؤخراً ارتفاعاً هائلاً بسعر الدولار مستفيداً من حالة “العقم” السياسي. وبدلاً من تكحيله باجراءات منطقية، عمد المركزي إلى ضخ “في اليمنى” كل حصة المصارف من العملة الأجنبية لمدة 15 يوماً لدعم منصة صيرفة (التعميم 161 الصادر في الأمس – 16 كانون الأول 2021). وعمد “في اليسرى” إلى لمّ فائض السيولة بالليرة من خلال احتساب القروض التجارية نقداً على سعر 8000 ليرة. هذا الواقع لم يخلق بلبلة فحسب، بل شجع أكثر بحسب مصادر متابعة على المضاربة على الليرة بعدما أصبح لها سعران. الأول نقدي حقيقي والثاني مصرفي بأقل قيمة.

لم تنجح صيرفة في مختلف مراحلها بلجم سعر الصرف لوقت طويل، واقتصر مفعولها في كل مرة حدثت فيها على أيام معدودة. هذا الواقع دفع بالبعض إلى طرح سؤال عن مبرر وجودها. ولا سيما أنها تأخذ الدولار من الجميع لتمويل بعض العمليات. فالدولارات التي تضخ فيها إما تسحب من الاحتياطي، وإما من فائض التوظيفات الإلزامية الناتجة عن تراجع الودائع في القطاع المصرفي لاحقاً. وفي الحالتين المبالغ لا تكفي، خصوصاً إن جرى توسيع دورها كما حصل مؤخراً بقرار الحاكم من السراي؛ والذي أكد عليه بالتعميم 161.

Exit mobile version