مَن يضعُ حدّاً لانهيار العملة الوطنية؟…
سفير الشمال-عبد الكافي الصمد
قبل ثلاثة أيّام أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في بيان، عن ″تدابير للجم تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية″، في خطوة فاجأت كثيرين وأثارت إستغرابهم، إنْ في المضمون أو في التوقيت، وطرحت تساؤلات عديدة حول جدّيتها والأهداف الحقيقية من وراءها، والنّتائج التي يمكن أن تُسفر عنها.
فقد أعلن الحاكم أن مصرف لبنان ″سيقوم بتزويد المصارف العاملة بحصّتها النقدية لما تبقى من هذا الشّهر بالدولار الأميركي النقدي بدلاً من الليرة اللبنانية، أيّ حتّى نهاية العام الجاري، وذلك على سعر صرف منصة صيرفة. وسوف يطلب مصرف لبنان من المصارف بيع الدولارات المُشتراة على سعر صيرفة كاملة إلى مختلف عملائها عوضاً عن الليرات اللبنانية، التي كانت مرصودة لدفعها بالليرة اللبنانية″.
وأضاف سلامة أنّ مصرف لبنان سوف يقوم أيضاً “بتنظيم سداد القروض التجارية بالعملات الأجنبية نقداً بالليرة اللبنانية، على السعر المحدد في التعميم 151 أي 8000 ل.ل. حالياً، ما يساعد على خفض الطلب على الدولار ويزيد الطلب على الليرة اللبنانية في الأسواق”.
غير أنّ هذه التدابير سرعان ما تبين أنّها جوفاء، وبأنّها لم تؤدِ إلى أيّ نتيجة في لجم إنهيار العملة الوطنية، فبعدما كان سعر صرف الليرة اللبنانية عند إعلان حاكم مصرف لبنان تدابيره بحدود 26 ألف ليرة مقابل كلّ ليرة، عاد سعر صرف الدولار الأميركي إلى الإرتفاع مجدّداً إلى أكثر من 28 ألف ليرة ونيّف، ما يعني أنّ كلّ التدابير التي تحدث عنها سلامة لم تؤدِ النتيجة المطلوبة منها، وذهبت أدراج الرّياح.
وتساءل كثيرون لماذا أقدم سلامة على اتخاذ هذه التدابير ولم يفعل ذلك مسبقاً عندما بدأت الليرة اللبنانية بالإنهيار قبل أكثر من سنتين، ما كان سيوفر على اللبنانيين وعلى الإقتصاد الوطني الكثير من الأعباء والكوارث التي يعيشونها حالياً، ومن أين سيأتي سلامة بالدولارات لتطبيق تدابيره الإحترازية لدعم الليرة اللبنانية، وهو الذي ما فتىء منذ بدء انهيار العملة المحلية قبل أكثر من سنتين يكسر يده ويقول إن الإحتياط الإجنبي لديه آخذٌ في التضاؤل، وأنّه اتخذ قرارات سابقة توقف خلالها عن دعم الكثير من السلع التي يحتاجها اللبنانيون بشكل أساسي، من المحروقات إلى الأدوية والمواد الغذائية، فكيف وُجدت الدولارات عنده فجأة كي يتخذ تدابير حمائية لليرة اللبنانية؟
وإذا كان سلامة حريصٌ فعلاً على حماية الليرة اللبنانية، فلماذا سمح وشارك في “تهريب” مليارات الدولارات إلى خارج لبنان منذ بدء الأزمة، وكان ذلك سبباً في الإنهيار الكبير الذي وصلت إليه العملة الوطنية، وهي مليارات تعود إلى الزعماء السياسيين وأقطاب الطبقة الحاكمة والمرجعيات الدينية كافة، ما جعل أغلب هؤلاء يغضّون النّظر عن تصرفاته وقراراته، لا بل ويغطّونها.
ولم يكتفِ سلامة بذلك، إذ بدا بتصرفاته وقراراته وكأنّه فوق كلّ السّلطات والقوانين والتشريعات، وأنّه حاكم البلد وليس مصرفه المركزي فقط، عندما أصدر أمس قراراً يقضي بتوقّفه عن تحويل المبالغ المالية إلى حساب منشآت النفط في طرابلس وطلبه إقفال المنشآت نهائياً، ما يقضي ـ في حال تحقّقه ـ على حلم أهالي طرابلس والشّمال بتحقيق التنمية والنّهوض عبر مؤسّسة كانوا وما زالوا يعولون عليها الكثير، وهو قرار لن يمرّ ـ بكلّ تأكيد ـ مرور الكرام.