انتهت زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي بيار دوكان الى بيروت، وكانّها لم تكن. وإذ أصرّ المتحدّث باسم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على تكرار ما سبق وأن نصحت به بلاده المسؤولين اللبنانيين على لسان وزير خارجيتها جان إيف لودريان «ساعدونا لنساعدكم»، غير أنّ أي من المسؤولين الذين التقاهم لم يتجاوب مع هذا النداء، سوى بالقول وليس بالفعل.

وعلى ما يبدو، ومن خلال كلام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الأخير، أنّه لن يدعو الى اجتماع الحكومة قريباً من دون تأمين الحدّ الأدنى من الإتفاق خشية تأجيج الخلاف السياسي، ما يعني بأنّ لبنان، ومع الأسف، على ما قالت مصادر سياسية متابعة، لم يعد قادراً في الوقت الراهن، على مساعدة نفسه لكي يُساعده المجتمع الدولي، فتحقيق الإصلاحات المطلوبة بإلحاح من الداخل والخارج، لا يُمكن أن يتمّ من دون اجتماع الحكومة والإتفاق على خطة إقتصادية إنقاذية سريعة.

ورأت المصادر بأنّه إذا كانت الدولة غير قادرة على الإلتزام بالتعهّدات التي قطعتها للفرنسيين، كما للمجتمع الدولي، فليس عليها سوى إعلان إفلاسها، سياسياً ومالياً، وهذا الأمر يفرض عندها تدخّل الأمم المتحدة لإعادة بناء الدولة وإعادة إنهاضها من الإنحدار المتواصل من دون أن يتخذ المسؤولون فيها أي قرارات من شأنها وقف الإنهيار أو وضع حدّ له. فالمواطن غير القادر على الهجرة، يريد أن يستمرّ في العيش، وإن بأدنى مستوى من مقوّمات العيش التي أوصلته إليها السياسات المصرفية والحكومية.

أمّا إذا تمكّنت الحكومة من الإجتماع، حتى ولو بعد عيدي الميلاد ورأس السنة، وحلّت مشكلة الكهرباء على الأقلّ، على ما أكّدت المصادر نفسها، فإنّ من شأن ذلك أن يُخفّض سعر صرف الدولار الأميركي مُجدّداً، ولهذا فمن المهم مواصلة ميقاتي والمسؤولين مساعيهم لإزالة «الثغرة الأساسية» التي تُعرقل انعقاد الحكومة، سيما وأنّ المجتمع الدولي غير مرتاح لعمل الحكومة الجديدة، كونها غير منتجة، فيما الوضع الإقتصادي يزداد سوءاً، وهذا الأمر لم يكن يتوقّعه منها، خصوصاً فرنسا، عندما أعطت الضمانات الخارجية لميقاتي لتشكيل حكومته الإنقاذية، وتنفيذ خارطة الطريق التي نصّت عليها المبادرة الفرنسية..

فالمجتمع الدولي سبق وأن قدّم المساعدات للبنان عبر المؤتمرات السابقة، من مؤتمر «باريس 1» و»باريس 2» الى «باريس 3»، على ما أوضحت المصادر، ووعدته الحكومات المتعاقبة بالقيام بالإصلاحات المطلوبة الإقتصادية والقطاعية والإنتاجية، ولم يتحقّق منها أي شيء وذهبت الأموال هدراً. لهذا يفرض اليوم على حكومة ميقاتي رؤية تحقيق إصلاح واحد من الإصلاحات لكي يتشجّع ويعود لدعم لبنان مادياً، وإن لم يتمّ تنفيذ اي منها، فهو ينتظر نتائج الإنتخابات المقبلة.

وتقول المصادر أيضاً بأنّ صندوق النقد الدولي يتلكأ في توقيع أي إتفاق مع الحكومة، حتى الآن، لأنّه لم يرَ تنفيذ أي من الإصلاحات المطلوبة. فاستجرار الغاز والطاقة من مصر والأردن الى لبنان عبر سوريا، لا يزال يستلزم أشهراً ليُصبح حقيقة واقعة، وهو غير مستعدّ لدفع الأموال قبل رؤية الدولة تغذّي المواطنين المشتركين بالكهرباء لساعات عدّة في اليوم، والقيام بمشاريع أخرى لزيادة عدد هذه الساعات بحيث تُصبح الحاجة الى الموتورات ضعيفة.

غير أنّ صندوق النقد لا يزال يودّ عقد الإتفاق مع لبنان، رغم الإرتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار الأميركي وانعكاسه بشكل سلبي وخطير على الوضع المعيشي والحياتي واليومي للمواطن اللبناني، على ما لفتت المصادر عينها، وإن تأخّر. فعَينه يبقى على ثروة لبنان البحرية، من غاز ونفط، وما يُمكن أن يجنيه من مردودها الطائل المتوقّع خلال سنوات، في حال بدأت عمليات التنقيب والإستخراج لها. ولهذا لن يتركه ويذهب بعيداً، وإن كان يؤجّل عقد الإتفاق الى حين حصول مشاريع ملموسة على أرض الواقع.

وأشارت المصادر الى أنّ الصندوق يتحدّث مع الهيئات والجمعيات، أكثر من المسؤولين كونه لم يعد يثق بهم، وينتظر بالتالي إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها، وتغيّر المنظومة السياسية الحالية، لعلّها تكون أفضل من الحالية لعقد اتفاق شامل معها. وكذلك يفعل المندوب الفرنسي دوكان، الذي وإن التقى المسؤولين خلال زيارته الى بيروت، غير أنّه لم يعد يثق بما يقولونه ويعدون به، سيما وأنّ أقوالهم لا تُترجم أفعالاً.والدليل أنّهم لم يلتزموا بالتعهّدات التي سبق وأن أعطوها للرئيس ماكرون خلال اجتماعه بهم في قصر الصنوبر خلال زيارته الى لبنان في 1 ايلول 2020.

ورأت المصادر عينها بأنّ الوضع الإقتصادي السيء والمتدهور، لا تعمل المصارف أو الحكومة، على إصلاحه في الوقت الراهن، إنّما بعض التدفّقات المالية من الخارج التي تأتي مباشرة الى العائلات اللبنانية من أقاربهم المغتربين، وتعمل على صرفها في السوق لسدّ حاجياتها، وهذه الأموال لا تمرّ عبر المصارف، على ما كان يحصل في السابق، وهذا ما يجعلها تصلّ الى أيدي العائلات.

ولا تتوقّع المصادر أن يدعو ميقاتي الحكومة الى الإجتماع قبل بداية العام المقبل، لأنّ الخلاف السياسي لا يزال قائماً رغم محاولاته وسعيه لتأمين الإتفاق مع الثنائي الشيعي، وتشير الى أنّ حركة ميقاتي وتكثيف عمل اللجان الوزارية ولقاءاته الثنائية مع الوزراء والتفاوض مع صندوق النقد في المرحلة الحالية، لا تتعدّى مرحلة تقطيع الوقت وتهيئة القرارات. أمّا المطلوب فهو اجتماع الحكومة ووضع الخطة الإنقاذية سريعاً واتخاذ القرارات التي بإمكانها إخراج لبنان من النفق المظلم ووقف الإنهيار الذي أفقد المواطنين اللبنانيين أدنى مقوّمات العيش الكريم.

وختمت المصادر بالقول إنّ تعطيل مجلس الوزراء هو أمر خطير جدّاً، وعدم انعقاد جلساته لا يريح لا صندوق النقد، ولا المجتمع الدولي. فعدم الإنتاجية لا يتلاءم أبداً مع الوضع المتردّي الذي يمرّ به البلد اليوم، ولهذا لا بدّ من معالجة فورية لهذا الأمر.