لهذا تسود سياسة “الترقيع والتخبيص”!
كلير شكر-نداء الوطن
يبدو أنّ القوى السياسية على اختلاف توجهاتها، قد استسلمت في الوقت الراهن، لحكم “التعطيل”. جمود قاتل على كافة المحاور. رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بات مقتنعاً أنّ معالجة اعتلال حكومته من خلال تلبية مطالب الثنائي الشيعي وتحجيم “نفوذ” المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، لكي يفصل ملف ملاحقة السياسيين عن بقية الملفات، ليست متوفرة في الوقت الحالي، ولا بدّ من الانتظار على رصيف التطورات، لحدفة ما، علّها تكشّ “البيطار” وتعيد الحياة إلى جلسات مجلس الوزراء.
بالأساس، لا يبدي الرجل أي حماسة أو استعجال لترؤس جلسات لمجلس الوزراء، لأكثر من سبب. أولاً، لم يعد لحكومته ترف تحقيق أي انجاز خصوصاً اذا “صدقت” المهل القانونية الواردة في نصّ قانون الانتخابات وفُتحت صناديق الاقتراع في وقتها، أي في أيار المقبل. لا بل قد تكون حكومته أمام معمودية النار التي ستسببها الشروط التي يفرضها صندوق النقد الدولي لكي لا يسحب “بركته” ورضاه عن الحكومة، ومن تلك الشروط على سبيل المثال لا الحصر، توحيد سعر صرف الدولار لتجميد السوق الموازية، ورفع الدولار الجمركي بما يعني ذلك من ارتفاع جنوني للأسعار. وثانياً، انضمام القوى السنيّة إلى الفريق المعترض على أداء المحقق العدلي للمطالبة بفصل ملفات السياسيين عن بقية الملفات وتحويلهم إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
وعليه، يكون الثنائي الشيعي في واجهة تعطيل قيام الحكومة، وها هو رئيس مجلس النواب نبيه بري يرفع من منسوب السجال والاعتراض بوجه المحقق العدلي ورئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، بعدما كان بري أقرب إلى البحث عن صياغة تسووية على قاعدة “لا يفنى الديب ولا يموت الغنم”، تبقي البيطار في موقعه ولكن تسحب ملفات السياسيين من بين يديه، ولكنه عاد واقتنع أنّ هذا المسار التفاهمي دونه عقبات كثيرة تحول دون ترجمته على أرض الواقع، فقرر اعتماد لغة المواجهة المباشرة.
ولكن التدقيق العميق في خريطة المواقف الحقيقية، يظهر أنّ الثنائي الشيعي يربط موقفه من المحقق العدلي بموقفه من المشاركة في جلسات مجلس الوزراء، ولكن بالموازاة، ثمة شركاء “مكتومون” للثنائي الشيعي يتماهون معه في قرار التعطيل لاعتبارات تخصهم. فالفريق السني، ليس مستعداً للتسليم بصلاحيات المحقق العدلي الشاملة والتي لا تستثني السياسيين، ومنهم رئيس الحكومة في قضية تفجير مرفأ بيروت، وهذا ما يجعل من هذا الفريق معنياً بالوقوف إلى جانب الثنائي الشيعي في اعتراضه الفاقع على سلوك المحقق العدلي… وتالياً لا بدّ بنظره، من فصل المسارات بأي طريقة. أكثر من ذلك، ثمة شريك غير مباشر في “مشروع التعطيل”، هو “التيار الوطني الحر” الذي يطالب رئيس الحكومة بعقد جلسات لمجلس الوزراء بمن حضر أي من خلال تجاوز رفض الثنائي الشيعي، ولكن في المقابل، سبق لرئيس الجمهورية ميشال عون أن أعطى موافقته للبطريرك الماروني بشارة الراعي عندما تم طرح المبادرة التسووية، وفق ما أطلق عليها وكان يفترض أن تتوّج في مجلس النواب من خلال فصل المسارات القضائية وانشاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، لكن الفريق العوني تراجع عن هذه الموافقة، حيث توجّه أصابع الاتهام والتعطيل تجاه رئيس “التيار” جبران باسيل الذي يحاول “استثمار” هذه الخطوة في حال أراد الاقدام عليها، خصوصاً وأنّه يخشى من ارتداداتها عليه في الشارع المسيحي بسبب المزايدات الشعبوية عشية الغرق في الوحول الانتخابية.
هكذا، تجمّدت كل المبادرات ولا يبدو أنّ أياً من القوى المعنية بصدد القيام بأي خطوة تنازلية من شأنها أن تعيد الحكومة إلى طاولة مجلس الوزراء، خصوصاً وأنّ المندفعين باتجاه اعادة تفعيل السلطة التنفيذية تحت عنوان وقف الارتفاع الصاروخي لسعر الدولار، يعرفون جيداً أنّ انعقاد جلسات مجلس الوزراء ولو حتى يومياً لن يلجم سعر صرف الدولار، الذي يحتاج إلى خطة اقتصادية مالية – نقدية واستقرار سياسي… غير متوفّرين. وعليه، تسود سياسة “الترقيع والتخبيص”!