ميلينا ميركوري، النجمة الهوليوودية ووزيرة الثقافة السابقة في اليونان، كانت تحلم بأن تستفيق ذات صباح لترى الكولونيلات، وقد حكموا بلاد اريسطو وأفلاطون بالأحذية الثقيلة، معلقين على أعواد المشانق…
قالت «لا تتوقعوا أن أزرع البنفسج على قبورهم. لسوف أزرع الشعير لكي يتسنى للبغال وحدها أن تصلي من أجلهم».
نحن نوع آخر من الكائنات البشرية، بالأدمغة المعلبة، وبالعظام المعلبة. هكذا فعل بنا أساقفة الدنيا، وأساقفة الآخرة. الانتقال من الوثنية الدينية الى الوثنية السياسية.
لم تكن المسيحية التي وجدت لغسل الخطيئة المميتة (الخطيئة الجميلة)، ولم يكن الاسلام الذي وضعنا في منتصف الطريق بين الله والشيطان، أكثر من ظواهر آنية. ما قالته الكتب المقدسة حول اليوتوبيا يمكن أن يصلح للملائكة. ذاك التاريخ البشري لا يراقص سوى الدم…
خبير في صندوق النقد الدولي قال في جلسة خاصة «لا أتصور أن المشكلة عندكم في النظام. ثمة أنظمة أخرى أكثر تعقيداً وأكثر هشاشة. المشكلة في الانسان عندكم. بالرغم من ديناميكيته، ومن تفاعله مع الثقافات الحديثة، تستثيره لعبة الموت أكثر مما تستثيره لعبة الحياة ولا أدري، وأنتم في واحد من أجمل بلدان الدنيا، كيف يمكن أن تختزنوا كل تلك الضغينة بين بعضكم البعض».
وحين كان الانكليزي روبرت فيسك يتحدث عنا، اذ كان يستغرب مدى ولائنا «لأولئك الذئاب»، أحياناً «لأولئك الغربان»، كان يعتقد أن أي تغيير بنيوي أكثر من أن يكون مستحيلاً لأن ثمة أكثر من هولاكو في قمة الهرم، ويهتف لهم الناس بالدم …بالروح!
العديد من «الأبحاث الاسرائيلية» لا تصف لبنان بـ»جارنا الذي يحتضر»، بل بـ»جارنا الميت».الخلاف ما اذا كان يدفن على الطريقة المسيحية أم على الطريقة الاسلامية . لا منطقة خضراء بين هذا الله وذاك الله…
هذا قبل أن يتبعثر المسلمون. لا كراهية تفوق الكراهية بين السّنة والشيعة. دائماً على التوقيت الاستراتيجي، للمصالح الأخرى، وللأجندات الأخرى.
تصوروا، ونحن ننتقل من قاع الى قاع، ومن جهنم الى جهنم، تتعطل جلسات مجلس الوزراء للخلاف حول قاض في قضية يعرف القاصي والداني أنها لن تصل لا الى الحقيقة، ولا الى العدالة، في بلد لم يعرف يوماً سوى الحقيقة الملتبسة، وسوى العدالة الملتبسة.
مشكلة القاضي، كما يقال، أنه يوجه أصابعه (السياسية لا القانونية) الى فريق دون فريق، كما لو أن أياً منهما أقل ضراوة في تدمير المفهوم الفلسفي، والمفهوم الدستوري، وحتى المفهوم الأخلاقي، للدولة . آثار أيديهم، وآثار وجوههم، لا تزال ماثلة على جدران المغارة.مغارة علي بابا . من هنا كانت الدعوة للمقاومة، كظاهرة مقدسة، الى الابتعاد عن هذه الأدغال.
قاض سابق ومعروف بنزاهته، وبعدم تبعيته، اذ يلاحظ أن القضاء في لبنان، كما سائر المؤسسات الحساسة، في أيدي أهل السياسة، قال لنا «ما على اللبنانيين، وقد تحوّلوا الى حطام بشري، سوى أن يناشدوا ذوي الضحايا بالعودة الى منازلهم، للبكاء في الزوايا، لربما أدى ذلك، واذا لم يتم اختراع أزمة اضافية، أو حتى هزة أمنية، الى وقف التدهور الذي وصل بنا الى أقاصي الهاوية».
لاحظوا الى أين وصلت الفظاعة بأركان الطبقة السياسية وهم في كوكب آخر. لا يعنيهم التحليق المدمر للدولار، كما السقوط المدمّر للبنان وللبنانيين. ما علينا الا أن نعتذر من… الديناصورات.
في هذه الأجواء القاتلة تغريدات لكأنها تغريدات الأفاعي وهي تلعب داخل الشقوق لمزيد من التشقق الداخلي. المبعوثون لا يكتفون بطلب المال لسحق الآخرين في الصناديق. يطلبون السلاح لسحق الآخرين في الخنادق.
أحدهم اقترح تجنيد عشرات آلاف النازحين المدربين عسكرياً لساعة الصفر. بعض قادة الفصائل يحلمون بالعودة الى زمن أبو الجماجم، وأبو الهول، وأبو الزعيم، وكانوا يديرون الدولة اللبنانية (وكذلك تحرير فلسطين) من الملاهي الليلية.
ذاك التصدع الذي ينذر بالانفجار، الانفجار المبرمج لقيام الدولة البديلة (دولة هنري كيسنجر). الكل ضالعون في السيناريو. لمن تكون الغلبة؟ كل ما نعلمه أن «الحاخامات» باتوا جاهزين… لدفننا!!