مهند الحاج علي|المدن
من الصعب فصل المشهد السياسي اللبناني عن الجريمة المنظمة ومآلاتها المتوقعة في لبنان بما أن الميليشيات، وهي المكون الرئيسي للعمل العام، تزحف حيث تذوب الدولة. خلال الأسبوع الماضي، كان الحدث الأمني طاغياً في البلاد، إن كان على صعيد الجريمة المنظمة وتصاعدها، أو لناحية العنف المسلح في المخيمات الفلسطينية جنوباً.
ولا يُمكننا فصل تدهور الوضع الأمني عموماً عن الانفجار الحاصل في مخزن سلاح داخل مستودع أسلحة تابع لحركة “حماس” في مخيم برج الشمالي في منطقة صور جنوب لبنان، وإطلاق النار على مسيرة تشييع أحد الضحايا. لماذا قررت “حماس” في بداية الانهيار اللبناني عام 2019، أن تُؤسس وجوداً مسلحاً في لبنان؟ لأن هذه الحالة المسلحة، مثلها مثل كل عناصر التدهور الأمني ومن ضمنها العصابات المتنامية، ترى فرصاً للنمو في الانهيار، وتحديداً في تراجع الدولة وتداعي مؤسساتها.
عملياً، صار لبنان خلال أيام معدودة، ساحة للصراع بين “حماس” من جهة، وكل من حركة “فتح” وإسرائيل، من جهة ثانية. هذا صراع حقيقي، ينفجر فيه مخزن للحركة، وتنشر إسرائيل خريطة لمواقعها في لبنان مع تهديد مبطن باستهدافها، ومن ثم يقع اشتباك بين “فتح” و”حماس” ويسقط فيه ضحايا. هذه الجماعات باتت ترى في لبنان فرصة سانحة لنشاطاتها، وصارت أحد وجوه الانهيار المتواصل فيه. كأننا عدنا لبرهة الى السبعينات والثمانينات.
الأسبوع ذاته أيضاً شهد مفارقة، تمثلت في عمليات سطو مسلحة في وضح النهار استهدفت مصرفاً ومحلات، ترافقت مع انتحار عسكري متقاعد حرقاً، للاحتجاج على تردي الوضع المعيشي. هذا المشهد بصورتيه جسّد واقعنا الحالي: دولة تموت، وفوضى أمنية تتأسس وتتكاثر بأشكال مختلفة. ولو راجعنا حصيلة الأسبوع بأسره عبر بيانات الأجهزة، لرأينا اشتباكات وضحايا في ضاحية بيروت الجنوبية، وعمليات سطو، علاوة على إعلانات لقوى الأمن عن اعتقالات في صفوف عصابات مخدرات وتجارة الأعضاء البشرية وتزوير العملات وغير ذلك. صحيح أن بيانات السلطات الأمنية والعسكرية هي غالباً دعايات أو محاولة للترويج لإنجازات، أكثر منها إحصاءات دقيقة، إلا أنها بالواقع تكشف كيف يتحول البلد تدريجياً الى مركز للعمل الاجرامي.
وهناك مؤشرات الى جريمة منظمة تتجاوز الحوادث الفردية المحدودة. خلال الأسبوع الماضي، صادرت السلطات مواداً أولية تُستخدم في صنع المخدرات، كان هناك من استوردها من اسبانيا لهذا الغرض. كما وضعت يدها على معدات لتزوير العملات وأوقفت أشخاصاً متورطين في مجالات تتأرجح من السطو إلى ترويج الحبوب المخدرة وتصديرها. حدث ذلك فيما وقع انفجار برج الشمالي والاشتباكات اللاحقة المرتبطة به. وزار خالد مشعل، أحد القادة التاريخيين لحركة “حماس”، بيروت، وسط توتر واتهامات مع “فتح” المدججة بالسلاح والأقدر عسكرياً على الأراضي اللبنانية.
المشهد الأمني متكامل، وبأجنحة تتراوح بين الميليشيات والعصابات المنظمة والجرائم الفردية. الميليشيات المحلية التي ظهرت لفترة شهور ابان أزمة الوقود على بعض المحطات حيث اقتسمت الأرباح مع أرباب العمل، وتولت التوزيع، لم تختف. ما زالت موجودة لكنها تتحين الفرص المتوافرة للعودة الى العمل في ظل الضائقة الاقتصادية. في المقابل، هناك مؤشرات الى جاذبية الساحة اللبنانية لجماعات مثل “حماس” ترغب في فتح ساحة صراع جديدة إن كان للتنافس مع “فتح” أو لأسباب على ارتباط بصراعها مع إسرائيل.
وأصل هذا المشهد بفرعيه التنظيمي العسكري-الأمني، والاجرامي، سياسي. من يُعطّل عمل الحكومة لنسف تحقيق المرفأ، بعدما أوقف تأليفها لعام كامل، هو الطرف ذاته الراعي لتمدد “حماس” بهذا الشكل الأمني والعسكري على الأراضي اللبنانية. هو مشهد متكامل والفاعل الرئيسي فيه واحد.