«الفدرَلَة» تطرق أبواب السويداء عزم حكومي على اجتثاث العصابات: «الفدرَلَة» تطرق أبواب السويداء
الأخبار- محمود عبد اللطيف
قبل أيّام، استَقبل محافظ السويداء، نمير مخلوف، مشايخ عقل الطائفة الدرزية، الذين أتوا إليه مُهنّئين إيّاه بمهمّته التي كُلّف بها منتصف الشهر الماضي، وحامِلين إليه الهمّ الأمني الذي لا يفتأ يؤرّق مناطقهم، ليأتي ردّ المحافظ بالوعْد بأن هذا الملفّ سيُعالَج بـ«الودّ أولاً»، ومن ثمّ التعاون مع رجال الدين ووجهاء المحافظة، والتشديد على ضرورة أن «يأخذ القانون مجراه»، في ما اعتُبر إشارة إلى وجود نيّة لدى الدولة لإنهاء ملفّ السلاح غير الشرعي في السويداء، وإعادة الأمور إلى ما قبل عام 2011. في هذا الإطار، توضح مصادر محليّة، في حديث إلى «الأخبار»، أن تعبير «الودّ أولاً» الذي استخدمه مخلوف، ينبئ بـ«وجود مشروع للمصالحات في السويداء، من شأنه إنهاء وجود المجموعات الحاملة للسلاح وغير المنضبطة بالقانون السوري»، مضيفةً أن «مثل هذا المشروع سيكون بديلاً من الصدام الأمني مع هذه المجموعات التي لن تقوى على مواجهة مع الدولة، إذا ما قرّر قادتها رفض تسوية أوضاع مجموعاتهم»، مستدرِكةً بأن «التسويات قد لا تشمل المطلوبين الجنائيّين بقضايا فيها ادّعاء شخصي، فالدولة لا تمتلك القدرة على إسقاط الحق الشخصي لأيّ مواطن تَقدّم بدعوى أو ادّعاء ضدّ أيّ شخص».
لم تَدخل السويداء ضمن خريطة الحرب إلّا في مناسبات قليلة وبمساحات محدودة في ريفَيها الشرقي والغربي. ففي ذاكرة المحافظة، تُشكّل «معركة مطار الثعلة» في حزيران من عام 2015، واحدة من أهمّ المعارك التي شنّتها فصائل «الجيش الحرّ» و«جبهة النصرة»، في محاولة لاختراق دفاعات الجيش السوري والمجموعات الشعبية التي ساندته آنذاك. آذن فشل تلك المعركة في تحقيق أهدافها بنهاية مشروع السعي لاختراق السويداء عسكرياً، فيما شكّلت المجزرة التي ارتكبها تنظيم «داعش» في قرىً تقع شرق المحافظة خلال شهر تموز من عام 2018، وراح ضحيّتها 220 شخصاً، الحدث الأكبر من حيث عدد الضحايا هناك. وبخلاف ذلك، فإن غالبية الأحداث كانت عبارة عن عمليات انتقامية أو مشاجرات جماعية أو اشتباكات محدودة غير ذات طابع سياسي، لعلّ أبرزها الاشتباك الذي وقع بين فصائل من السويداء ومجموعات من «اللّواء الثامن» الذي كان يقوده أحمد العودة، على خلفية تبادل الاتهامات بعمليات خطف المدنيّين، فضلاً عن التنازع على ترسيم الحدود بين مزارع الريف الشرقي لدرعا والريف الغربي للسويداء.
على أن الهَمّ الأمني الحقيقي بالنسبة إلى سكّان المحافظة اليوم، يتمثّل في وجود عصابات تُنفّذ عمليات خطف وجرائم قتل، حيث تقول إحصاءات غير رسمية إن السويداء شهدت، خلال شهر تشرين الثاني الماضي وحده، 15 عملية خطف و8 جرائم قتل، جميعها نُسبت إلى العصابات التي تتمركز في مناطق الريف، والتي لن تكون مشمولة بأيّ تسوية إن حدثت. وبخلاف هذا الهمّ، لا يمكن الحديث عن مخاوف أمنية جدّية من اشتعال المحافظة؛ فلا خارطة الانتشار ولا حجم المجموعات أو تجهيزها القتالي كافيان لبدء أيّ اشتباك مع الدولة.
حزب جديد
قبل فترة، ظهر إلى العلن «حزب اللّواء السوري»، مُعرّفاً عن نفسه بأنه «حزب مستقلّ ينطلق من السويداء». وكان بيان التشكيل والمبادئ العامة التي أطلقها الحزب، قد ألمح إلى أن قيادته تؤيّد مشروع «فدرَلَة سوريا»، من خلال نشر الإدارات الذاتية في مختلف المناطق السورية، مُعلِناً تحالفه مع فصيل مسلّح يحمل اسم «قوّة مكافحة الإرهاب»، والتي كانت أبدت جاهزيّتها للتعاون مع أيّ جهة دوليّة تنشط في سوريا لمحاربة الإرهاب، ما عدا «الأجهزة الأمنية السورية وإيران وحزب الله»، الأمر الذي يعني، بالضرورة، أن الحكومة الروسية لن تذهب نحو التنسيق مع أيّ من الطرفَين اللذين أعلنا عن نفسيهما كخصمَين للحكومة السورية، على أقلّ تقدير.
تقول مصادر متعدّدة إن تأثير وجود هذا الحزب لا يتعدّى «صفحة فايسبوك»، وإنه لن يشكّل تهديداً حقيقياً للدولة السورية، على رغم أن قادته مرتبطون بالعدو الإسرائيلي. لكن الحديث عن تعاونه مع منظّمات حقوقيّة أوروبية لتدريب «قوّة مكافحة الإرهاب» على عدم ارتكاب انتهاكات ضدّ السكّان، قد يكون الواجهة لإعلان التعاون مع قوات الاحتلال الأميركي المنتشرة في نقاط حدودية مع العراق، انطلاقاً من الجغرافيا الشرقية لمحافظة السويداء، والتي تتّصل ببادية التنف، حيث تتمركز القوات الأميركية بشكل مشترك مع نظيرتها البريطانية في قاعدة غير شرعيّة، بحجّة محاربة تنظيم «داعش». وعلى هذا الأساس، يمكن لـ«قوة مكافحة الإرهاب» و«حزب اللّواء» الاستناد إلى دعم مفتوح من الأميركيّين للمطالبة بإعلان «إدارة ذاتية» في السويداء، مع استبعاد إعلانها من طرف واحد كما هو الحال في المناطق الشرقية التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، لكون المحافظة تخضع لسيطرة الدولة السورية، والمزاج العام فيها يميل نحو إبقائها خارج خارطة الحرب، الأمر الذي يجعل «اللّواء» بحاجة إلى الكثير من العوامل المساعِدة حتى يتحوّل إلى ورقة ضغط حقيقية على دمشق.
يُذكر أنه جرى الحديث، خلال الأشهر الماضية، عن وجود مجموعات من الوحدات الكردية في الجنوب الشرقي من محافظة السويداء، بمهمّة تدريب عناصر من الفصائل المعارِضة لدمشق، إلّا أنه لم يتمّ تأكيد وجود هذه المجموعات من قِبَل أيّ طرف، على الرغم من انتشار معلومات عن وقوع اشتباكات وضغوط من «الدفاع الوطني» على منطقة الرحى، لإخراج العناصر الكردية من المنطقة. وكانت الفصائل الكردية أعلنت، في عام 2018، استعدادها للتعاون مع «أهالي السويداء» لمحاربة تنظيم «داعش» في البادية الواقعة شرق محافظتهم، علماً أن الجيش السوري كان ينفّذ المهمة آنذاك من دون أيّ مشاركة من الفصائل المحلّية في السويداء، باستثناء «الدفاع الوطني» الذي يُعدّ واحداً من القوى الرديفة للجيش.