السعودية عائدة؟
وعمل بن سلمان على تحصيل مواقف خليجية، دولية وعربية، تحصّن وضع السعودية السياسي في المنطقة. فسعى إلى إيصال رسائل للقوى الدولية، فحواها أن الموقف الخليجي موحد خلف الرياض، ودول الخليج كلها داعمة لها في أي مسار سياسي إقليمي أو دولي، ولا يمكن لأي طرف أن يتواصل مع جهة خليجية على نحو يتعارض مع المصلحة السعودية.
ومن شأن هذا كله أن يؤثر على التعاطي مع إيران والولايات المتحدة الأميركية، ويترك أثره الجديد على لبنان.
وهناك معلومات تفيد أن السعودية تبدي استعدادها لإعادة تفعيل حضورها السياسي في لبنان، من خلال تجديد علاقتها بحلفائها. وفي هذا السياق، جاءت زيارة الوزيرين السابقين وائل أبو فاعور وملحم الرياشي إلى السعودية، فأشارت إلى هذا التطور. وتفيد معطيات أن شخصيات أخرى ستزور السعودية في المرحلة المقبلة، بهدف تنسيق المواقف وإعادة تعزيز الحضور، تحضيراً للانتخابات النيابية، وسلوك طريق سياسي يعيد التوازن إلى لبنان، بدلاً من ترك الكفة فيه راجحة لصالح حزب الله.
وتأتي الخطوة السعودية هذه بناء على نصائح عربية ودولية وُجهت إلى الرياض: ترك لبنان نهائياً والانسحاب منه وإدارة الظهر له، تفيد حزب الله وإيران ولا أحد سواهما.
..وتنتظر الانتخابات
وأكد مجلس التعاون الخليجي تضامنه الثابت مع الشعب اللبناني الشقيق، لتحقيق كل ما من شأنه أن يحفظ للبنان أمنه واستقراره. ودعا الأطراف اللبنانية لتحمل المسؤولية الوطنية لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية. وطالب المجلس لبنان باتخاذ الإجراءات الكفيلة بالاصلاحات الشاملة ومكافحة الفساد، وبسط سيطرة الدولة وسيادتها على كافة مؤسساتها، ومنع حزب الله “الإرهابي” من ممارسة نشاطاته واحتضان الإرهاب ودعم منظماته وميليشياته المزعزعة للأمن والاستقرار في الدول العربية، تنفيذاً لأجندات دول إقليمية. وأشار البيان إلى أهمية تعزيز دور الجيش اللبناني، وشدد على مراقبة الحدود واتخاذ الإجراءات الكفيلة بردع استمرار تهريب المخدرات إلى السعودية ودول مجلس التعاون.
وهذا كله لا ينفصل عن ما جرى في الاتصال الهاتفي بين وزير داخلية البحرين ووزير الداخلية اللبناني، لجهة مطالبة البحرين لبنان بضرورة التصدي للأنشطة التي تقوم بها جهات خليجية معارضة لدول الخليج، بدعم من حزب الله. لكن هذا الطلب يؤدي إلى زيادة الانقسام في لبنان، فيما الحكومة غير قادرة على تلبيته بسبب موقف حزب الله. وفي حال حاولت الحكومة أن تتخذ أي موقف في هذا الشأن، فإن ردّ حزب الله لن يتأخر.
وينطوي الاهتمام السعودي بلبنان على رهانها على نتائج الانتخابات النيابية، وإفقاد حزب الله تلك الأكثرية التي يتمتع بها.
متى يتحرك حزب الله؟
لكن من الآن وحتى موعد الانتخابات ينتظر لبنان الكثير من الأزمات السياسية: كالأزمة المستفحلة بين الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي، والقابلة للتصعيد، خصوصاً بعد مواقف عون العنيفة ضد برّي والثنائي الشيعي.
وصمت حزب الله ينطوي على أنه يفكر في طريقة عمله على سحب فتيل التوتر والتصعيد، وصولاً إلى تسوية بين الطرفين. فلحظة يشعر حزب الله بعزم سعودي للعودة إلى لبنان، يصير بأمس الحاجة لإعادة دفع حلفائه إلى الاصطفاف خلفه، والكف عن التلهي في معارك جانبية.
لكن عون يخوض معاركه على جبهات كثيرة: قبل يومين انتقد التصريحات الفرنسية، لأنها تقدم المساعدات للمجتمع المدني، أو لجهات خارجة عن سيطرة الدولة. واعتبر هذا تدخلاً لتغيير نتائج الانتخابات. وعون غاضب على الفرنسيين لأنه يرى أنهم يهمشونه، ويتواصلون مع رئيس الحكومة. وهناك معلومات عن إن ماكرون سيتصل بعون في الأيام المقبلة، للبحث في الملفات السياسية.
المجتمع الدولي وصمته الانتخابي
الأنظار كلها تتركز على الانتخابات إذاً. وعلى الرغم من الاهتمام الدولي بضرورة إجرائها، تقول مصادر ديبلوماسية غربية إن إجراءها ليس من مسؤولية المجتمع الدولي الجاهز لتقديم كل المساعدة اللوجستية لذلك. أما إجراؤها في مواعيدها فلن يقول المجتمع الدولي أي كلمة في شأنها، وعلى القوى السياسية أن تفهم ذلك، وتتحمل مسؤولياتها. وهذا يؤشر إلى احتمال عدم إجراء الانتخابات في مواعيدها، فيما لا يريد أي طرف دولي تحمل مسؤولية تأجيلها وما ينجم عنه من مخاطر تسرّع وتيرة الانهيار.