معركة «طواحين هواء» بين الرئاسات للتعمية على التنازلات

موسكو «مستاءة» من التفريط اللبناني : لن تحصلوا على شيء !

فوق انقاض البلد الموجود في «قعر الهاوية»، تدور معركة «وهمية» على الصلاحيات بين القصر الرئاسي والمجلس النيابي والسراي الحكومي، فيما تتوحد الرئاسات الثلاثة في التخلي عن حقوق لبنان في معركة ترسيم الحدود البحرية جنوبا، وتتسابق على تقديم التنازلات، في عملية تفاوض سيقدم فيها لبنان «كل شيء»، متخليا عن حقوقه، ولن يحصل في المقابل على شيء كما يعتقد الروس!

ففي سياق خوض معركة «طواحين الهواء»، يشكو رئيس الجمهورية ميشال عون بأن صلاحياته المحدودة شكلت عائقاً حال دون وقف انهيار مؤسسات الدولة وانحلالها، ومنعته من «الاصلاح والتغيير»، وفيما يدعو الى إصلاح النظام وتصحيحه من الشوائب، يتمسك رئيس الحكومة نجيب ميقاتي باتفاق الطائف وينصّب نفسه «حارسا» لصلاحيات فارغة من المضمون، بعدما بات البلد في «خبر كان»، وهو «يستعرض» عضلاته امام اقرانه في «نادي رؤساء الحكومة» بانه لم يسمح للرئيس بالالتفاف على صلاحيات رئيس الحكومة، ومنعه من الإطاحة «بوثيقة الوفاق الوطني».

وفي هذا السياق، يصرّ ميقاتي على «معاندة» رغبة الرئيس في عقد جلسة حكومية بمن حضر، ويبتدع نظرية «الحكومة ماشية ومجلس الوزراء معطّل»، ويدير «تصريف الاعمال» المقنع بمراسيم استثنائية، هددت الرئاسة الاولى بعدم توقيعها بعد اليوم للضغط على معارضي عودة الحكومة للاجتماع. وفيما تدور هذه المواجهة «الدستورية» بغطاء سياسي، لا يخفي عون «حقده» على بري ويتهمه بقيادة الفريق السياسي الذي «خرّب» عهده يتهمه بالتقصير وعدم القيام بواجباته، ما تسبّب بحالة «الشلل» الاصلاحي خلال رئاسته، كما لا يخفي عتبه على حليفه حزب الله باعتباره «الحامي» الاول لبري الذي يضحك في «سره» ويعد الايام المتبقية من عمر العهد، ومن يزوره يراه مستمتعا برفع «شارة» النصر مبكرا احتفالا بانتصاره في المعركة ضد «غريمه» في بعبدا !

مصادر سياسية بارزة، تصف هذا الصراع «بالفارغ»، وترى انه ليس الا «ملهاة» في الوقت الضائع بين مجموعة من «العاجزين» الذين يرغبون استثمار هذه «المماحكات» في الانتخابات النيابية المقبلة، والتعمية على المعركة الحقيقية التي تحصل فيها التنازلات، وعنوانها ترسيم الحدود البحرية جنوبا، حيث تدور معظم الضغوط الاقتصادية وغير الاقتصادية من قبل الولايات المتحدة التي تدير معركة «اسرائيل» في حقول الغاز، لكن الامر اللافت، بان من يوهمون الناس بانهم «خصوم» او «اعداء» يقفون في صف واحد في الادارة «الفاشلة» لهذا الملف لارضاء الاميركيين، وكل واحد منهم «لغاية في نفس يعقوب»..!

وتنقل تلك المصادر عن سفير دولة اوروبي في بيروت تأكيده ان الاميركيين ربطوا صراحة حصول بوادر «انفراج» جدي في لبنان بعد حصول اتفاق «الترسيم»، وطمأنوا الجميع بان لا احد في العالم يريد او يرغب في احداث تغيير في «النظام» القائم، فالظروف الراهنة ليست مؤاتية لعقد مؤتمر للحوار الوطني، وواشنطن ليست معنية بالامر، وهذا الامر ينطبق على الاطراف الاخرى، ففي اللقاء الاخير بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كان التوافق تاما على رفض عقد مؤتمر «تأسيسي» جديد على انقاض «الطائف» الذي يجب «تطبيقه لا تطويره»، ووفقا للمعلومات، كانت وجهتا النظر الفرنسية والسعودية متطابقة بان اي مؤتمر جديد في ظل ميزان القوى الحالي سيمنح «الشيعة» مكاسب على حساب المكونات الاخرى، ما سيعزز من وضعية حزب الله في الدولة، وهذا ما لا يغربان به.!

وفي الانتظار، تترقب بيروت زيارة «الوسيط» الاميركي آموس هوكشتاين، لكن المفارقة، بحسب مصادر معنية بالملف، ان الموقف الرسمي اللبناني سبق قدومه بتقديم التنازلات المجانية، فالرئيس ميشال عون الذي تراجع «فجأة» عن توقيع المرسوم 6433 ، حسم موقفه القائل بان لبنان يريد الحصول على «حقل قانا»، «ولا مصلحة في المطالبة بحقل «كاريش»،» أي تم التنازل رسميا عن التفاوض بدءا من الخط 29، الذي لم يوافق عليه الرئيس بري اصلا، فيما ابلغ ميقاتي السفيرة الاميركية في بيروت دوروثي شيا، ان خط التفاوض الرسمي 23 لا 29 وهو موقف «وثقه» اعلاميا وزير الخارجية عبدالله بو حبيب الذي اكد ان الحكومة لا تتبنى الخط 29 الذي كان مجرد طرح «للتفاوض»؟!

وفي هذا السياق، تؤكد تلك الاوساط، ان الجانب الاميركي يواصل ضغوطه، وهو ابلغ لبنان بان قرار محكمة العدل الدولية في النزاع الكيني – الصومالي لا ينطبق على ملف الترسيم جنوبا، على الرغم من التشابه التام في المسألتين، كما ابلغهم ان عدم التفاهم على البلوك 9 يعني ان لا شركات اجنبية ستستثمر في الحقول الغازية الاخرى! وهو ما يفسر تجميد شركة «توتال» لعملياتها الاستكشافية في البحر اللبناني. لكن النقطة العالقة حتى الآن والتي لا يعرف المسؤولين عن الملف في الجانب اللبناني كيفية «هضمها» وتسويقها داخليا، تتعلق بكيفية استثمار اكبر الحقول الغازية والتي ستكون مشتركة مع العدو وفق الخط 23، وهذا يفترض انشاء صندوق «سيادي» مشترك تديره جهة ثالثة، يرجح ان تكون واشنطن، وهو امر تلح عليه «اسرائيل» باعتباره خطوة متقدمة نحو التطبيع مع لبنان.

وقد حدد الاميركيون الربيع المقبل كآخر فرصة للبنان للاستفادة من «الفرصة» المتاحة قبل اعلان هوكشتاين انتهاء وساطته، وتحميل لبنان «كدولة فاشلة» مسؤولية فشل المفاوضات، ما سيرتب تداعيات كبيرة على اللبنانيين. هذا ما يسوق له مقربون من الرئاسات الثلاثة في سياق تبرير التنازلات المفترضة في هذا الملف.

في المقابل دخلت موسكو مؤخرا على «الخط»، ووفقا للمعلومات، حذر ديبلوماسي روسي رفيع المستوى عددا من المسؤولين اللبنانيين من مغبة تقديم التنازلات دون الحصول على مقابل معقول في السياسة والاقتصاد، وطالبهم بعدم الثقة بالوعود الاميركية، خصوصا الوعد بحصول انفراجة على الساحة اللبنانية ربطا بهذا الملف، واشار الى انه امر مبالغ فيه، لان «ازمتهم مع لبنان اعمق بكثير وعنوانها الرئيسي يبقى حزب الله وليس اي شيء آخر»، وقال صراحة، «نحن مستاؤون من ادارة التفاوض، واذا استمر الموقف على حاله لن تحصلوا على شيء».

اذا، ثمة خشية من خسارة لبنان «ورقة» ضغط مهمة، لاستغلال المصلحة الاميركية – «الاسرائيلية» الملّحة في الترسيم للحصول على مكاسب ضخمة تساعد في اخراج البلد من ازماته، لكنه لم يحسن استغلالها حتى الآن بفعل غياب الاستراتيجية الوطنية وتقدم المصالح الشخصية. والخلاصة ان لبنان يبالغ في تقديم التنازلات، وتدلّ المؤشرات انه لن يحصل على شيء في المقابل!؟