يقوم البند الأول على ضخ دولارات إضافية، والثاني على زيادة الطلب على الليرة مقابل الدولار في السوق.
وكما كل القرارات ذات الصلة، تبقى الأعين شاخصة على النتائج المعروفة سلفاً، إلا أن الغريق يتعلّق بقشّة.
ضخ الدولارات
يعترف مصرف لبنان بالمصارف كبوابة وحيدة للتعاملات النقدية. وهذا أمر طبيعي بالنسبة لـ”المركزي” كمؤسسة. لكن هل فعلاً تؤثّر المصارف إيجابياً على سعر صرف الدولار أثناء تطبيقها التعاميم والقرارات؟
لم تثبت التجربة سوى العكس. فالمركزي يبحث عن سبل لتمويل المصارف بالدولار. وهي ليست المرة الأولى. إذ أتاح المركزي بتعميم سابق، شراء المصارف الدولار المحوَّل من الخارج وفق سعر المنصة، في حال رغب الزبون بذلك. وتارة أخرى يقدّم لها الدولارات الطازجة لقاء توزيعها على المودعين والتجار، وفق آليات مبهمة وبلا رقابة. وهو حال القرار الصادر أمس الثلاثاء 14 كانون الأول، بعد الاجتماع المالي الذي جَمَعَ الحاكم رياض سلامة برئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير المالية يوسف الخليل، إثر “اندلاع” سعر الدولار على نحو جنوني.
أتاح القرار للمصارف أخذ ما تبقّى من حصّتها الشهرية بالدولار النقدي بدل الليرة، لقاء بيعه لمختلف العملاء وفق سعر المنصة. وتشرح مصادر مصرفية لـ”المدن”، أن المصارف لديها “حصة شهرية بالليرة يدفعها المركزي من حسابات المصارف لديه، وتختلف من مصرف لآخر، ويتم بواسطتها تمويل سحوبات المودعين بحسب السقوف المنصوص عنها بالتعاميم”. وفي محاولة منه لضخ مزيد من الدولارات، قرّر المركزي “إستبدال الليرة بالدولار، على أن يحصل المودع على ما تبقّى من سقوف السحب، بالدولار، وفق سعر منصة صيرفة. أي مَن كان سقف سحوباته لهذا الشهر 10 مليون ليرة وسحب منها 5 مليون، يسحب الـ5 مليون المتبقية، بالدولار، على سعر المنصة”.
لكن ما لم يوضحه المركزي، هو نوع الضمانة التي تحفظ للمودع سحب ما تبقى من سقفه الشهري وفقها، إذا لم يعلم أحد حجم الكتلة النقدية الدولارية المخصصة لكل مصرف، ومدى ملاءمتها مع حجم السقوف المطلوب سحبها. وبهذه الحالة، تُفتح الاحتمالات على تعدّدها، ويُترَك للمصارف حرية تقدير حجم السيولة التي ستفرج عنها وتلك التي ستضعها في خزائنها. وبالتالي، يكون المركزي قد موَّلَ المصارف مرة أخرى بحجة إيصال الدولار للمودعين.
تأمين السيولة
وفي حين يناشد المركزي الحكومة اتخاذ قرارٍ بشأن رفع الدعم، بفعل عدم قدرته على تأمين الدولارات، يقرر تأمينها للمصارف لتغطية السحوبات حتى نهاية العام. فمن أين أتى المركزي فجأة بالدولار؟
تقول المصادر أنه “استعان باحتياطي العملات الأجنبية” التي تُترك في الأصل لتمويل الاقتصاد، عندما تنطلق مسيرة الإصلاح تحت جناح صندوق النقد الدولي “لكن المركزي قرر استعمال جزءٍ منها لهذه الفترة حصراً، لأنه يرى أهمية خطوته”.
وتجدر الإشارة إلى أن موجودات المركزي بالعملات الأجنبية، تراجعت في تشرين الثاني الماضي إلى 13.1 مليار دولار بعد أن بلغت 13.6 مليار دولار سجّلها شهر تشرين الأول. وتبقى هذه القيمة بعد طرح قيمة محفظة سندات اليوروبوند والتي تساوي 5 مليار دولار، وطرح حقوق السحب الخاصة التي حصلها لبنان من صندوق النقد الدولي، والتي تساوي 1.1 مليار دولار.
ومع ذلك، تقلّل المصادر من أهمية تلك الخطوة. وإن كان المركزي يعوّل على الأسبوعين الأخيرين لهذا العام، تترك المصادر هذه المدّة الزمنية بمثابة الحَكَم.
في المقابل، تشير بعض المعلومات إلى أن المركزي “اشترى الدولارات من السوق السوداء واستعان ببعض الإحتياطي لديه، أي بأموال المودعين”.
قروض التجار
يتعلّق البند الثاني من قرار المركزي بـ”تنظيم سداد القروض التجارية بالعملات الأجنبية نقداً بالليرة اللبنانية، على السعر المحدد في التعميم 151 أي 8000 ليرة، حالياً، ما يساعد على خفض الطلب على الدولار ويزيد الطلب على الليرة اللبنانية في الأسواق”.
والترجمة لهذا البند هي إعطاء المركزي الحق للتجار الذين اقترضوا بالدولار من المصارف، تسديد قيمة القرض بسعر 8000 ليرة. ما سيعني زيادة الطلب على الليرة من قِبَل التجار، بهدف تسديد القرض.
مرة أخرى لم يوضح المركزي الفترة الزمنية لهذا “العَرض”. فإن كان محصوراً بما تبقى من أيام في العام الحالي، فلا طائل منه. وإن كان ذا مدى أبعد، فهو محكوم بالإجراءات التنظيمية التي لم تصدر بعد، والتي يمكن للمصارف التذرّع بها لعدم قبول سداد القروض بالليرة حالياً.
وتتوقّع المصادر أن يصدر المركزي آلية التنظيم “خلال الأسبوع المقبل”. على أن هذا التنظيم لا يحدّ من الطلب على الدولار بشكل عملي، لأن “بعض التجار في الأصل، يسددون قروضهم الدولارية من حساباتهم العالقة في المصارف، أو يشترون حسابات عالقة لبعض المودعين، بأسعار مناسبة لهم وللمودع، على غرار شراء الشيكات بنسبٍ مئوية متفاوتة، والتعويل على زيادة الطلب على الليرة ضئيل، خصوصاً وأن طبيعة الديون متفاوتة، منها سندات دين كأي قرض شخصي آخر، ومنها حساب جارٍ مدين، وشروط تسديدها تختلف من مصرف لآخر”. أي أن التقدير الأخير يعود للمصارف التي قد تتذرّع بأن بعض التجار لديهم حسابات بالدولار ومصادر دولارهم خارجي، فتحرمهم من حق الدفع بالليرة، لتُبقيه لبعض التجار الذين يشترون الدولار من السوق، وهو ما سيخلق مشكلة بينها وبين التجار، يتعيّن على المركزي حسمها بعد زوال مفعول القرار.
هدَأ الصعود الصاروخي للدولار من دون وضع المركزي آلية ضبط تنطلق من رقابة فعلية على كمية الدولارات التي تتحكّم بها المصارف، سواء التي تحصل عليها من مصرف لبنان أو السوق. والمركزي لا يمنع المصارف من المضاربة ورفع أسعار الدولار، بهدف سحبه من السوق وزيادة الطلب عليه. ما يؤشّر إلى عودة ارتفاع الدولار قريباً، بعد زوال الأثر النفسي للقرار واختفاء فقّاعته.