غادة حلاوي-نداء الوطن
لا معطيات مهمة يمكن البناء عليها في زيارة المبعوث الفرنسي السفير بيار دوكان. أربعة ايام من الزيارات واللقاءات والولائم المسائية والغداوات لن يعود بعدها الزائر الفرنسي بأكثر من زيادة وزن، سببه كرم الضيافة اللبنانية ومذاق المأكولات عالية الجودة.
من وليمة الى وليمة أمضى دوكان اقامته في لبنان. تعرّف على كبريات المطاعم وأفخمها. وعلى “صحن الكبة النية” فتحت قابلية الداعي والمدعو الى حوار سياسي حول لبنان وهمومه ومشاكله.
رحلة استجمام سياسية تنقّل خلالها من دار رجل أعمال الى دار سياسي، والى مائدة واحدة أقامها على شرفه أحد رجال الاعمال، إلتقى خلالها وزير المالية يوسف خليل ونعمة افرام ونقولا شماس وملحم رياشي وميشال المر ورائد خوري. ولولا بعض الخروقات من الحضور لكان صح القول ان سعادته ترأس اجتماعاً لحزب المصرف وفق التوصيف اللبناني. جال على الوزارت، واستفسر عن موضوع الكهرباء ومفاوضات صندوق النقد وشبكة الامان الاجتماعي.
لم يشمل بزيارته رئيسي الجمهورية ميشال عون ومجلس النواب نبيه بري. ربما لم يجد مناسباً ان يزور عون ورئيس بلاده تخلف عن اصول مهاتفة نظيره اللبناني، لاطلاعه على اجواء زيارته الى المملكة العربية السعودية بشقها اللبناني. صفحة الزيارة بمفعولها اللبناني طويت، بدليل ان دوكان الذي حضر عقب الزيارة مباشرة لم يحمل اي جديد بشأنها. لدوكان علاقة طيبة تربطه بشخصيات مقربة من الرئيس عون، وهو كان من الناصحين بضرورة ان يكون فريق رئيس الجمهورية “شريكاً في المفاوضات مع صندوق النقد والاطلاع على تفاصيلها”. بالمعنى التقني التقى دوكان كل من لهم علاقة بالمفاوضات مع صندوق النقد. الموضوع الذي احتل صدارة متابعاته وشكل هاجسه الاساسي. نصح من التقاهم بضرورة عمل إصلاحات والإنتهاء من اعداد خطة التعافي، للشروع في مفاوضات عميقة وجدية مع صندوق النقد قبل الانتخابات النيابية. والنقطة الاخيرة تلك عبرت عن الاجندة التي تعمل فرنسا على اساسها في لبنان، نبّه دوكان من ان لبنان امام فرصته الاخيرة للاصلاحات والا فالمرحلة المقبلة قد لا يجد من يهتم لامره ويلتفت الى شؤونه.
قال دوكان ما عنده، والذي لم يخرج عن اطار النصح والتمني. حضر الرجل في أصعب الظروف اللبنانية وأعقدها، فلا مجلس وزراء ولا خطة تعافٍ ولا مفاوضات رسمية مع صندوق النقد، فماذا جاء يفعل اذا وبلاده أعلم بحال لبنان اكثر من المسؤولين فيه؟ وما الذي بوسع بلاده تقديمه؟ في عز الازمة وحيث حضر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، هدد وطلب ثم عاد محاسباً ومؤنباً، فماذا بعد؟ قصد السعودية طالباً المساعدة، طلب كسر القطيعة مع لبنان فكان له ما اراد في لحظتها فماذا بعد؟ إنه الاقصى لدولة يستعد رئيسها لخوض انتخاباته باحثاً عما يعزز حظوظ ربحه بولاية جديدة. هو ايضاً غارق في الهموم الداخلية وينتظر كغيره جلاء صورة المفاوضات في فيينا، وانعكاسها على اربع او خمس دول عربية مجتمعة. المشهد معقد لكن لا بأس من زيارة روتينية والبلاد تستعد لانتخابات يراها الغرب مصيرية، “ان حصلت”.
قد يحوّل لبنان بيار دوكان الى رجل عاطل عن العمل. إذا أدرجنا زيارته في سياق جهود فرنسا ورئيسها في لبنان منذ انفجار الرابع من آب فهي تبدو كلكمة في الهواء. يعلم ان الحل في لبنان لم يعد داخلياً وهو حاول اقناع السياسيين بضرورة العودة الى طاولة مجلس الوزراء والمباشرة بالاصلاحات، لكنه سيغادر كما حضر خالي الوفاض الا من المذاق الطيب لصحن الحمص والتبولة والكبة النية وكأس العرق البلدي، في رحلة استجمام عشية الميلاد الذي غابت اجواؤه المعتادة عن لبنان.
الفكرة هنا ان فرنسا كما لبنان، رغم الفارق في الظروف، باتت غارقة في الوقت الضائع، وهي وان حضرت لتحقيق خطوة ما تسعف رئيسها عشية الانتخابات الرئاسية، فان سلته عادت فارغة الا من وعود نالها مستقبلوه بوقوف فرنسا الى جانبهم ودعمهم في الانتخابات، من اجل تحقيق التغيير المرجو. كاسكم.