سفير الشمال-غسان ريفي
في لقائه مع وفد نقابة المحررين في عين التينة أمس، إستعار رئيس مجلس النواب نبيه بري شطر بيت شعر من الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش هو ″فالليل نحن إذا إنتصف الليل″، ثم أسقطه على الواقع اللبناني، ليؤكد أن ″لبنان اليوم في منتصف الليل″.
لم يأت هذا التشبيه بمنطق ″النق″ أو ″النعي″، بقدر ما جاء بمنطق العارف بخفايا الأزمات التي يغض المعنيون النظر عن مفاتيح حلها بإنتظار ما يمكن تحقيقه من مكاسب أو نفوذ، ولو أدى ذلك الى إضاعة فرص الدعم أو الانقاذ الواحدة تلو الأخرى على البلاد.
حرص الرئيس بري أمام نقابة المحررين، على تشريح الواقع اللبناني بكل مندرجاته، وأعطى صورة بانورامية عن كل الأزمات، أسبابها ومسبباتها، ماضيها وحاضرها، المستفيد والمتضرر منها، وطرق معالجتها والمبادرات العديدة التي قدمها للحل، رافضا منطق الاستسلام، خصوصا أن البلد غير مفلس وليس ضعيفا بل هو يمتلك العديد من مكامن القوة سواء في خزانه البحري من النفط والغاز الذي يساعد على إٍستعادة ثقة دول العالم به، أو في مقدرات ومرافق الدولة التي يمكن عرضها ضمن إستثمارات مشتركة بين القطاعين العام والخاص بما يساهم في عودة النهوض الاقتصادي الذي ينعكس إيجابا على صورة الدولة وعلى الوضع الاجتماعي للمواطنين.
على الرغم من أهمية كلام الرئيس بري، لكنه أظهر أن ثمة توجهين متناقضين في لبنان على شكل عربة يشدها حصانين كل منهما في إتجاه، الأول في التعاطي مع الواقع من منطلق شخصي صرف لجهة إحتساب الربح والخسارة، ورمي مسؤولية الفشل على الآخرين وإتهامهم بفرط البلد، وفي إشاعة أجواء من الاحباط ومن العجز على تصحيح الخلل القائم، وإستخدام ذلك في تجييش الشارع وتحريضة بهدف لملمة الخسائر الشعبية عشية الانتخابات.
والثاني في التعاطي مع البلد بواقعية تعترف بأزماته السياسية والطائفية والمذهبية والاقتصادية والمالية والاجتماعية وغيرها، وتغوص في تفاصيلها بحثا عن المعالجات بعيدا عن الشخصانية، وإنما بمنطق وطني يتخذ من القانون والدستور منصة للانطلاق باتجاه الحلول الناجعة التي ترضي الجميع وتشكل قواسم مشتركة يمكن البناء عليها للسير بالوطن نحو بر الأمان، خصوصا أن بري أعطى مثالا حول قضية القاضي طارق البيطار، حيث أبلغ البطريرك الماروني بشارة الراعي، بأنه إذا عزلنا البيطار فإن نصف الشارع المسيحي سيغضب، وإذا أبقينا البيطار فإن نصف الشارع الاسلامي سيغضب، لذلك لا بد من اللجوء الى الدستور الذي يقضي بمحاكمة الرؤساء والوزراء والقضاة أمام محكمتين خاصتين، وليكمل البيطار مهامه كاملة في ملف تفجير مرفأ بيروت، فوافق الراعي على الطرح، كما وافق عليه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وكذلك رئيس الجمهورية ميشال عون، إلا أن الغرفة السوداء تدخلت وأفسدت التوافق.
يرى الرئيس بري أن الحفاظ على الطوائف يشكل عامود الخيمة اللبنانية، لكن ثمة فارق كبير جدا بين الحفاظ على الطوائف وبين الطائفية، مؤكدا أن إتفاق الطائف الذي أوقف الحرب بين اللبنانيين، يمكن تطويره وتعديله، لكن ذلك لن يحصل إذا بقينا طائفيين، خصوصا ما يتعلق بالبنود الاصلاحية لجهة إقرار قانون إنتخابات خارج القيد الطائفي، وإنشاء مجلس شيوخ وتشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية، لافتا الى أنه بقليل من المرونة يمكن أن نطبق الطائف.
فاجأ الرئيس بري المحررين أمس، بأنه لم يعد يمتلك مبادرات، خصوصا أنه قدم كل ما لديه منها وهي ما تزال قائمة لتقديم الحلول لشتى أنواع الأزمات، ما أوحى بأن بري المتابع لكل الملفات يمتلك رؤية تتناغم مع التوجهات الانقاذية لحكومة ميقاتي، لكن في النهاية تحتاج الى موافقة رئيس الجمهورية الذي كلما وافق على بند إنقاذي أو إصلاحي، تتدخل الغرفة السوداء التي إتهمها بري بتعطيل مبادرة حل أزمة القاضي البيطار.