عندما تتحكم اسوأ طبقة سياسية في رقاب العباد والناس، من الطبيعي ان تتدحرج الامور نحو السيناريوات السيئة والقاتلة والمظلمة، ومن يعتقدون من اللبنانيين انهم سيرون يوما ابيضاً على ايدي هؤلاء الساسة فهم واهمون ومخطئون ؟ ومن يعتقد من اللبنانيين انهم سيخرجون من الازمة قبل ٢٠ سنة فهم ساذجون جدا؟ ومن يعتقد من اللبنانيين ان المافيات السياسية والمالية واصحاب الاحتكارات سيتوقفون عن التلاعب باسعار الدولار فهم مجانين مهما بلغت الاجراءات غير العلمية؟ وفي ظل هذا التلاعب فلا سقف لسعر الدولار؟ وعندما يبشر الوزراء والنواب وقادة الاحزاب ان الدولار سيصل الى ٢٥٠ الفا فانهم يحضرون البلد لاسوأ سيناريو من القلق والخوف والاحباط وعدم التوازن في الاسواق وصولا الى الانهيار والفوضى الشاملة؟ علما ان من يتلاعب بلقمة عيش الناس معروفون بالاسماء مع عناوين شركاتهم المصرفية، وهم ازلام السياسيين ويتصرفون بكل وقاحة وعلى «عينك يا تاجر»، بينما مخالفة بسيطة من مواطن من «دون ضهر» او تغريدة سياسية يعاقب عليها لـ «سنوات وسنوات» داخل السجن المكتظ بالاف الابرياء من دون محاكمات؟ وهذه العصابة المالية موزعة طائفيا، وتصدر الاوامر الصباحية بشان سعر الدولار عبر منصات وهمية، وبالتالي لا تراجع في سعر الدولار في المدى المنظور وسيعاود ارتفاعه في الايام المقبلة، وعهد البحبوحة ولى ولن يعود، وطالما الناس لا يحاسبون ولا يعملون ولا ينتفضون لـ «كنس» هذه الزمرة فان البلاد ستبقى تنتقل من ازمة الى ازمة، وتنتظرهم اياما صعبة وقاسية وسوداء، ولا مخارج الا باسقاط هذه الزمرة.

الاتصالات السياسية

وحسب مصادر متابعة ومطلعة على اجواء الاتصالات الاخيرة، ان كل ابواب الحل ما زالت مقفلة «الله يستر»، والخلافات على «حد السيف» والاتصالات لم تحقق اية خروقات، والتفاوض حاليا مغلف بنار التصاريح «الحربجية» والنكايات و «التكاذب المشترك»، والتمترس الطائفي والمذهبي، والاصرار على تعميم مذكرة التوقيف بحق المستشار السياسي والمعاون الاول للرئيس نبيه بري علي حسن خليل، وهذ ا ما يجزم ان الرئيس نبيه بري هو المستهدف الاول من هذه الرسالة مع حزب الله، رغم ان مذكرة التوقيف غير قابلة للتنفيذ، وربما الهدف من تعميمها المزيد من الخلافات الداخلية وتجميد البلد وتفجيره عن «بكرة ابيه» والايام المقبلة ستبرهن ذلك، وفي هذه الاجواء، لا انتخابات، ولا مساعدات، ولا اصلاحات ولا حكومة ولا بلد، والمركب سيغرق بالجميع، مع تاكيد المصادر العليمة، ان تسريبات بدأت تعمم عن توجه عربي وتحديدا خليجي – دولي لطرح فكرة ارسال قوات عربية ودولية مشتركة للانتشار في بيروت الكبرى وعلى الحدود اللبنانية السورية والمطار والمرافئ لضبط المعابر، ومنع دخول السلاح وتهريب الكبتاغون الى الخليج، والعمل على نسف الصيغة الحالية لانتاج تسوية بديلة عن الطائف مع طبقة سياسية جديدة تغطي عمليات التطبيع الخليجية مع الكيان الصهيوني، ومن دون تطويع لبنان بالقوة، وسوريا «بالجزرة»، والعراق بالفوضى فان كل الاجراءات الاخيرة مع العدو لا قيمة لها، لان المطلوب تغطية لبنانية سورية عراقية لعمليات التطبيع كي تنجح وتبدأ المشاريع الاستثمارية، وهذا مستحيل من دون ضبط حركات المقاومة في لبنان وسوريا وفلسطين والعراق وتحديدا حزب الله واضعافه في شتى انواع الحصارات والضغوطات لالهائه واشغاله بملفات داخلية، ودفعه للانسحاب والانكفاء عن جبهة الجولان، في حين وصل الى بيروت امس القيادي في حركة حماس خالد مشعل على راس وفد للقاء مسؤولي الفصائل الفلسطينية وبحث اوضاع المخيمات ومن الطبيعي ان تكون اوضاع المقاومة في لبنان وفلسطين في صلب محادثاته مع قيادة حزب الله، ومن المحتمل ان يثير وصول مشعل ردود فعل مختلفة.

الرئيس عون

وتضيف المصادر العليمة والمطلعة، ان لبنان بتركيبته الحالية الهشة عاجز عن المواجهة، فالرئيس ميشال عون يخوض معركة «السلف» لرئاسة الجمهورية اي معركة جبران باسيل، ولا تنازل تحت هذا السقف لاي قوة سياسية حتى للثنائي الشيعي وغيره نتيجة وقوف الرئيس بري مع الحريري وجنبلاط الى جانب سليمان فرنجية في الاستحقاق الرئاسي، كما ان اشادة سماحة السيد حسن نصرالله بفرنجية في احد خطاباته الاخيرة اقلقت الرئيس عون جديا ورفعت منسوب انتقاداته للحزب خصوصا ان عون يخوض معركة الرئاسة مستخدما كل الاوراق التي يملكها مهما كانت العواقب، ولن يقدم على اية خطوة غير شعبوية وتحديدا في الشارع المسيحي قد تؤثر على حضور التيار، ويحاذر الرئيس عون الدخول في ملف اقالة المحقق العدلي طارق البيطار في قضية المرفأ، ويراهن على تصويت المجلس الدستوري للطعن في قانون الانتخابات واعطاء ٦ نواب للمغتربين، وحسب المصادر المتابعة فان الاكثرية في المجلس الدستوري ليست للتيار الوطني مطلقا، ولا يمكن للاعضاء الشيعة ان يصوتوا مع التيار الرافض حتى الان المس بالقاضي طارق البيطار، وحسب المصادر، فان التيار الوطني قد يتراجع اذا لم يوافق المجلس الدستوري على الطعن المقدم من نوابه، في ظل نقزة باسيل من اصوات المغتربين التي تشكل القلق الاول له، كونها تتحكم بنتائج الانتخابات النيابية في عاليه والشوف اولا مع تسجيل ٢٥ الف ناخب من المغتربين في هذه الدائرة واصواتهم تحسم المعركة في جبل لبنان الجنوبي، هذا بالاضافة الى ان اصوات المغتربين تتحكم في كل الدوائر في المناطق المسيحية، وحسب المصادر ان النسبة الكبيرة من اصوات المغتربين تصب للمجتمع المدني وقوى ١٤ اذار، وهذا ما يشكل القلق الفعلي للتيار وربما الدخول بالتسوية مع الثنائي الشيعي عبر معادلة «مواففة التيار على اقالة البيطار ومحاكمة الرؤساء في المجلس النيابي مقابل تصويت الثنائي على ٦ نواب للمغتربين»، وهذه التسوية لن تتبلور قبل منتصف كانون الثاني اذا نجحت، والا فان الانتخابات طارت مهما كانت الضغوطات، ومعظم القوى قد تكون مواففة على هذا السيناريو.

الثنائي الشيعي

اما بالنسبة للثنائي الشيعي فتؤكد المصادر المتابعة والعليمة على اجواء الاتصالات، ان موقف الثنائي الشيعي واضح ولا لبس فيه وغير مستتر وابلغ للجميع، «لا سلاما ولا كلاما ولا حلولا» لمجلس الوزراء وكل الملفات قبل اقالة القاضي طارق البيطار، والثنائي الشيعي قال كلمته والكرة في ملعب عون وميقاتي، ومن يريد الحل تحت هذا السقف فابواب عين التينة معروفة، وحسب المصادر، ان الرئيس بري ما قبل احداث الطيونة وقرارات البيطار هو غير بري ما بعدها، وجذري في المواجهة لانه المستهدف الاول من خلال المقربين منه، وهذا لن يمر عند الثنائي الشيعي مهما كلف الامر، ولذلك ابلغ بري الجميع انه لن يتراجع والكرة ليست في ملعبه، ولن يتحالف انتخابيا مع اية قوى قد تتحالف مع القوات اللبنانية ردا على التسريب عن تحالف بين الاشتراكيين والمستقبل والقوات وابلغ ذلك الى الاشتراكي والمستقبل مع انفتاحه على التحالف معهما دون القوات اللبنانية في البقاع الغربي، اذا حصلت الانتخابات، رغم ذلك فان اية حلحلة بين بعبدا وعين التينة مستحيلة، وترجم امس بانتقادات بري وخليل لعون وباسيل.

ميقاتي

اما الرئيس نجيب ميقاتي حسب المصادر، لا زال يعيش «نشوة» الاتصال الذي اجراه معه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وانه حقق ما عجز عن تحقيقه سعد الحريري ولذلك سيتطرف سنيا وخليجيا وسيظهر نفسه المدافع الاول عن حقوق السنّة واهل الخليج، ويرفض ان يكون لبنان منصّة للهجوم على دول الخليج، وهذا ما ترجم بالقرارات القضائية ضد مواطنين بحرانيين اجتمعوا في بيروت، ولم يكترث ميقاتي لمخاطر الاجراء الحكومي على علاقته مع حزب الله و٨ اذار وكل جمهور المقاومة الذي يرفض المس باي مواطن بحريني. ودانت مصادر متابعة وقريبة من نهج المقاومة قرار ميقاتي وحكومته، واعتبرته انه يساهم في تغيير وجه لبنان، وانتقدت ما قامت به وزارتا الداخلية والعدل من اجراءات ‏مرفوضة تماما، بغض النظر عما يمكن ان تؤدي اليه التحقيقات، ‏واعتبرت قبول الحكومة اللبنانية بهذه الاجراءات، هو تعبير عن ضعف الحكومة ‏اللبنانية أمام الابتزاز الخليجي، ونقص كبير في ادراك المعاني الحقيقية ‏للكرامة والسيادة الوطنية والقرار المستقل والحر، وتتعارض مع الدستور اللبناني ‏والقوانين المرعية الاجراء.

بالاضافة الى إن هذه الاجراءات تعكس الرغبة في تغيير هوية ‏لبنان الذي نعرفه متنوعاً ومتعدداً يتمتع اللبنانيون جميعاً فيه بحق التعبير وحرية ‏الرأي في ظل نظام انتخابي برلماني ديموقراطي، ‏هذا بالاضافة ايضا، الى ان لبنان شكّل على الدوام محطة لتلاقي جميع العرب بغض النظر عن جنسياتهم ‏واتجاهاتهم السياسية والفكرية، وكان هذا مصدر غنى للبنان وشعبه وثقافته.

وبالتالي ‏فإن أي محاولة لتغيير هذا الاتجاه تحت ضغط الابتزاز والوصاية الاميركية – الخليجية ‏الجديدة هو تغيير في هوية لبنان ودوره الثقافي والاعلامي الكبير في المنطقة، ومقدمة ‏لاجراءات عقابية أخرى قد تطال المثقفين والفنانين والاعلاميين ووسائل الاعلام ‏وصناع الرأي الحقيقي والحر، وكان وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي قد طلب من الامن العام اللبناني ترحيل اعضاء حركة الوفاق البحرينية من غير اللبنانيين.

ازدياد الشرخ بين عون وميقاتي

وفي المقلب الاخر، تكشف المصادر عن ازدياد الشرخ بين عون وميقاتي في موضوع الحكومة واصرار عون على ان يكون المرجع للقرارات، وليس الرئيس ميقاتي عبر اللجان الوزارية وسيمتنع عون عن التوقيع على المراسيم الجوالة مهما كانت اهميتها، ولو ادى ذلك الى حرمان الناس من بعض التقديمات الاجتماعية قبل الاعياد، والرئيس عون مصر على اجتماع الحكومة دون الثنائي الشيعي الذي يملك الثلث المعطل، فيما ميقاتي متريث ولن يفجر حكومته مهما كانت الاعتبارات.

وفي ظل هذه اللوحة، تؤكد المصادر، ان لا مخارج قبل الاعياد والجميع بانتظار بت المجلس الدستوري بالطعن المقدم من التيار الوطني، ولن تنقشع الصورة قبل منتصف كانون الثاني.

الاضرابات والانهيار

وفي ظل هذه الاجواء، تكشف المصادر العليمة ان فترة السماح للحكومة انتهت كليا، والبلاد مقبلة على مرحلة من التوترات والاضرابات في الشارع وصولا الى شل البلد والمؤسسات، ولولا «غض النظر» من الرئيس بري على تحركات قطاع النقل البري الذي يراسه القيادي في حركة امل بسام طليس لم تكن الامور لتأخذ هذا المنحى من السلبية والتعطيل لكل مرافق الدولة في كل المناطق اليوم، عبر قطع الطرقات الرئيسية ومداخل العاصمة بين السادسة والعاشرة صباحا، وفي موازاة ذلك واصل القطاع التعليمي الرسمي الثانوي والمتوسط والابتدائي اضرابه لليوم الرابع، وسط صمت المسؤولين ووزير التربية عباس الحلبي الذي اعلن رفضه لاسلوب الاضرابات والمطالبة بالحقوق تحت الضغط، اضافة الى سلسلة من التحركات الشعبية. بالمقابل بدأ الوزراء يشعرون بثقل المسؤولية وتعاظم المهام، وبدأ الاحباط يتسلل الى صفوفهم جراء عدم القدرة على تنفيذ ما يطمحون اليه، بالاضافة الى انهم يواجهون وزارات فارغة من الموظفين ولا قدرة على المحاسبة، والامور من سيىء الى اسوأ، وحكومة ميقاتي لن تكون افضل من حكومة حسان دياب، علما ان الوضع الاقتصادي بدأ يهدد كل مرتكزات الدولة مع غلاء فاحش وجنوني، ويبقى الاخطر ارتفاع حالات الفرار من المؤسسات العسكرية والتخلف عن الخدمة بشكل مخيف رغم كل اجراءات القيادة ومراعاتها لاوضاع البلد، وهذا ما يؤشر الى قرب الانهيار الشامل والفوضى غير المنظمة في كل المرافق، ووحدهم الفقراء سيدفعون الثمن اما كبار القوم في عالم اخر.