ملاك عقيل – أساس ميديا
ليس معلوماً ما هو أسوأ. “صورخة” الدولار ليلامس حدود ثلاثين ألف ليرة، وربّما أربعين وخمسين ألفاً بعد رأس السنة، أم رصد حالات داخل أحد الأجهزة الأمنيّة لضبّاط انضمّوا إلى مجموعات “الفاليه باركينغ” طمعاً في كسب مدخول إضافي يقيهم شرّ العوز ومدّ اليد.
نعم. بعض الضبّاط من أصحاب الرتب الصغيرة اختاروا مهناً طارئة على الحياة العسكرية حوّلت الضابط إلى عامل “فاليه باركينغ” مع “خدمة” فتح الباب لصاحب السيارة “المدني”… و”أمرك سيدنا”!
حالة “الاسترخاء” في المنازل المفروضة بحكم الأمر الواقع بعد إدخال تعديل على جداول الخدمة بسبب صعوبة التنقّل وأسعار البنزين الخياليّة، وتقلّص رواتب العسكر إلى ما يعادل سعر تنكتيْ زيت، نشّطت المخيّلة “العسكرية” نحو مهن تدرّ بعض الأموال لكفّ شرّ العوز والاختناق الماليّ.
يعترف مرجع أمنيّ كبير لـ”أساس”: “نعم سمحنا بمخالفة القانون ونمارس التطنيش عن قيام العسكر بأعمال موازية شرط أن يكون ذلك بشكل غير فاضح، وأن لا تكون نوعيّة العمل مخالفة للقوانين. فاليوم لا يستطيع أيّ قائد أو مدير عامّ أن يمنع عسكريّاً أو ضابطاً من العمل في الخفاء لأنّنا نعلم حجم الكارثة عليهم… وعلينا”.
يحدث ذلك في وقت أنّ “الكاش” المطلوب بالدولار للمؤسسات العسكرية والأمنيّة لا يزال تعترضه عقبات “البيروقراطية” الدولية. فباستثناء دول الخليج التي تستطيع بأمر ملكي أو أميري إرسال مساعدات ماليّة ونقديّة، يتحكّم بدول الغرب “سيستم” يمنع تحويل الدولار “الفريش” إلى جيش أيّ دولة تعاني من مصاعب ماليّة.
وإذا لم يُفرِج “صندوق” الأمم المتحدة المفترض أن يُغذّى من التحويلات الماليّة من الولايات المتحدة ودول غربية، وربّما خليجية… سيبقى العسكر يُنازع، ولن ينفعه صالون حلاقة مجّاني في وزارة الداخلية ولا سوبرماركتات تقدّم لهم موادّاً غذائية بأسعار مخفّضة في بعض الثكنات. قد يصل الأمر، وهذا ما يعترف به ضبّاط كثر، إلى حدّ رفض تنفيذ الأوامر العسكرية.
ما هو أسوأ من السوء نفسه تسجيل سابقة لم تعرفها أيّ من الشعوب في العصر الحديث. مافيات، على الأراضي اللبنانية، واثقة جدّاً من قدراتها على زرع الفوضى، باتت أقوى من تعاميم مصرف لبنان ومن سياسات الحكومة الأميركية المُعلنة التي تعتبر عملةً قانونيةً كلّ تصاميم الاحتياط الفيدرالي الورقية من الدولار، بغضّ النظر عن تاريخ إصدارها. وهي سياسة تشمل جميع الفئات الورقية للاحتياط الفيدرالي من سنة 1914 إلى اليوم.
لكن في جمهورية الفوضى الخلّاقة شرّاً، وعهد “الحَنجَلة” صوب الهاوية العميقة، لا تزال مافيات التشكيك في العملة الخضراء، أقوى عملة على كوكب الأرض، تفرض سطوتها من خلال رفض بعض المصارف ومؤسّسات الصرافة وشركات تجارية وأشخاص عاديّين تسلُّم الطبعات القديمة من الدولار. وقد رُصِد تقاعس أمنيّ عن ضبط “الميليشيات” الناشطة على خطّ استيفاء عمولات مقابل تبديل أوراق نقدية من الدولار الأميركي بسبب اعتبارها قديمة الإصدار أو غير صالحة للتداول.
هذه بعضٌ من المظاهر الشاذّة التي تتقدّم بقساوتها على أيّ حلّ سياسي للأزمات الآخذة في الانفلاش وسط عجز السلطة المخزي عن تلمّس طريق الخروج من النفق المعتم.
وأيّ حكومة، إن عادت أصلاً إلى بيت الطاعة واستأنفت اجتماعاتها، ستتمكّن من مواجهة هذا الانهيار المُرعب في بنيان ما شُبِّه بـ”الدولة”!
الجواب عند الحلف الحاكم…