الأخبار- محمد وهبة
قرّرت الحكومة ومصرف لبنان ووزارة المال لجم تدهور سعر الليرة. كيف؟ شرح «المركزي» خطّته ببيان يتداخل فيه أمران: ضخّ الدولارات في السوق وبيعها على سعر «صيرفة» لامتصاص الكتلة النقدية بالليرة، وإجبار تسديد القروض التجارية بالدولار، بسعر 8000 ليرة. ويعتقد الثلاثة أن الخطوة الأولى التي عمل بها مؤقتاً لهذا الشهر، ستجفّف الليرات من السوق في مقابل ضخّ الدولارات إليه، أي التلاعب بالعرض والطلب ظرفياً، بما يؤدي إلى خفض سعر الدولار في السوق الحرّة، على أن ينعكس ذلك على سعر منصّة «صيرفة» الذي بلغ أمس 23 ألف ليرة لكل دولار. أما الخطوة الثانية، في اعتقاد الثلاثة، فتهدف إلى المزيد من امتصاص الكتلة النقدية بالليرة، رغم أن مفاعيلها ستكون هائلة لجهة زيادة كلفة تسديد القروض التجارية وانعكاسها على أسعار السلع. أتى هذا البيان بتضامن حكومي مع الحاكم في إطار هدف واحد: دهس المجتمع وإذلاله أكثر لإجباره على الخضوع أكثر مما هو خاضع.
مساء أمس، أصدر مصرف لبنان بياناً يشير إلى أنه بدعوة من رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، عُقد اجتماع في السرايا الحكومية، حضره إلى الحاكم رياض سلامة، وزير المال يوسف الخليل. ويختصر البيان مقرّرات الاجتماع الذي تداول في سبل «لجم تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية»، بخطوتين:
ــــ سيقوم مصرف لبنان بتزويد المصارف العاملة بحصّتها النقدية لما تبقّى من هذا الشهر بالدولار الأميركي النقدي، بدلاً من الليرة اللبنانية، وذلك على سعر صرف منصة صيرفة. وسوف يطلب مصرف لبنان من المصارف بيع الدولارات المشتراة على سعر صيرفة كاملة إلى مختلف عملائها عوضاً عن الليرات اللبنانية التي كانت مرصودة لدفعها بالليرة اللبنانية.
ــــ سيقوم مصرف لبنان بتنظيم سداد القروض التجارية بالعملات الأجنبية نقداً بالليرة اللبنانية على السعر المحدد في التعميم 151، أي 8000 ليرة حالياً، ما يساعد على خفض الطلب على الدولار ويزيد الطلب على الليرة اللبنانية في الأسواق.
من مفاعيل هاتين الخطوتين، أنهما تؤدّيان إلى خفض مؤقّت لسعر الصرف قد لا يتجاوز أياماً معدودة، لأن عرض الدولار في السوق سيكون محدوداً بالـ«كوتا» التي خصصها مصرف لبنان للمصارف لهذا الشهر فقط. ويتعزّز ذلك بأن الخطوتين مجتزأتان عن أي خطّة شاملة لمعالجة الأزمة، أي أنه حتى الآن لم تظهر ملامح «خطّة التعافي» التي تعدّها الحكومة والتي كان يفترض ألا تلغي خطّة الحكومة السابقة، بل تعديلها بما يتناسب مع التطوّرات الأخيرة في أرقام سعر الصرف والناتج المحلي الإجمالي والتضخّم…
لكن ما هو أخطر من ذلك، أن الخطوتين تحفّزان المزيد من ارتفاع الأسعار، سواء لجهة ارتفاع كلفة الحصول على النقد الورقي بالليرة، أو لجهة شراء السلع الأساسية. وبالتالي فإن قرارات كهذه ستؤدي حكماً إلى زيادة حدّة الركود التضخمي، فأسعار السلع ستتضخم أكثر وسط ركود اقتصادي كارثي.
عملياً، إن هاتين الخطوتين تستعيدان ما قامت به قوى السلطة في فترة ما من السنة الماضية عندما قرّرت اعتقال الصرافين وزجّهم في السجن للجم تدهور الدولار. يومها انتهى الأمر بخروج الصرافين من السجن ومنحهم «مكافأة» العمل مع مصرف لبنان وفي خدمة أهدافه للمضاربة على العملة بشكل منظّم ووفق أجندة الحاكم، وليس المضاربة على العملة بشكل عشوائي. فبحسب مصادر مطّلعة، إن الصرافين يعملون بأوامر مباشرة من مصرف لبنان لبيع الدولارات وشرائها. لا بل إن المصرف المركزي، من خلال تعاملات الصرافين مع مديرية العمليات النقدية ومع منصّة «صيرفة»، صار قادراً على شراء الدولارات الورقية المتداولة في السوق.
ولا تقف رواية المصادر عند هذا الحدّ، بل تشير إلى أن الارتفاع الأخير المسجّل في سعر الصرف كان سببه شراء بعض الصرافين كميات كبيرة من الدولارات لحساب مصرف لبنان. وإذا صدقت هذه الرواية، فهذا يعني أن مصرف لبنان استعمل هذه الدولارات للتأثير النسبي في سعر الصرف، أو على الأقل في محاولة التأثير بواسطة الخطوتين المذكورتين في بيانه المسائي أمس. بمعنى آخر، إن الرواية تتجنّب توصيف عملية التلاعب بسعر الصرف التي ينفذها مصرف لبنان بالتلاعب ربطاً بحاجاته للدولارات، وربطاً بالتأثيرات السياسية التي تترافق مع ذلك. أي أن سعر الصرف تحوّل على يد سلامة وصرّافيه إلى عامل سياسي في خدمة بعض قوى السلطة، وفي خدمة مشروع كبح أي أفكار لمقاضاته وتوجيه أيّ اتهام قضائي له.
في العادة يكون الأثر معاكساً، أي أن سعر الصرف يتأثّر بالعوامل السياسية ويرتفع أو ينخفض تزامناً مع الاستقرار السياسي أو انعدام اليقين السياسي. لكن في الحالة الراهنة، يبدو أن سعر الصرف تحوّل إلى أداة سياسية سيكون لها اليد الطولى في رسم معالم المرحلة المقبلة لجهة توزيع الخسائر على أبواب الانتخابات النيابية.
كذلك، يمكن قراءة البيان من زاوية أخرى مفادها أن الحكومة ومصرف لبنان يعتقدان بأن شراء الوقت هو الحيلة الأكثر ملاءمة الآن في انتظار معجزة ما لانعقاد الحكومة أو للاتفاق مع صندوق النقد الدولي. لكن لا يمكن شراء الوقت، إلا عبر إجراءات تعسّفية تطاول الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع. الهدف الأساسي لهذه الإجراءات هو كبح الاستهلاك. وهو أمر لا يمكن تحقيقه من دون رفع الأسعار. وبالتالي فإن استخدام السياسات النقدية في هذا السبيل يتيح امتصاص السيولة بالليرة من دون أي اعتبار لانعكاسات ذلك على حاجات المجتمع وتراكم خسائره.
واللافت أن تكون وزارة المال حاضرة في هذا الاجتماع من دون أن يكون لها أيّ دور أو وظيفة، حتى لو كان الهدف المعالجة المؤقتة. فما تقوم به وزارة المال، هو أنها تتفرّج على كل هذه التداعيات الكارثية، فيما هي غارقة في دراسة سيناريوات زيادة الإيرادات عبر زيادة الدولار الجمركي وزيادات ضريبية أخرى. بهذا المعنى، يجري تسخير السياسات الضريبية لأهداف يرسمها مصرف لبنان حصراً برعاية رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وإشرافه.
مساء أمس، أصدر مصرف لبنان بياناً يشير إلى أنه بدعوة من رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، عُقد اجتماع في السرايا الحكومية، حضره إلى الحاكم رياض سلامة، وزير المال يوسف الخليل. ويختصر البيان مقرّرات الاجتماع الذي تداول في سبل «لجم تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية»، بخطوتين:
ــــ سيقوم مصرف لبنان بتزويد المصارف العاملة بحصّتها النقدية لما تبقّى من هذا الشهر بالدولار الأميركي النقدي، بدلاً من الليرة اللبنانية، وذلك على سعر صرف منصة صيرفة. وسوف يطلب مصرف لبنان من المصارف بيع الدولارات المشتراة على سعر صيرفة كاملة إلى مختلف عملائها عوضاً عن الليرات اللبنانية التي كانت مرصودة لدفعها بالليرة اللبنانية.
ــــ سيقوم مصرف لبنان بتنظيم سداد القروض التجارية بالعملات الأجنبية نقداً بالليرة اللبنانية على السعر المحدد في التعميم 151، أي 8000 ليرة حالياً، ما يساعد على خفض الطلب على الدولار ويزيد الطلب على الليرة اللبنانية في الأسواق.
من مفاعيل هاتين الخطوتين، أنهما تؤدّيان إلى خفض مؤقّت لسعر الصرف قد لا يتجاوز أياماً معدودة، لأن عرض الدولار في السوق سيكون محدوداً بالـ«كوتا» التي خصصها مصرف لبنان للمصارف لهذا الشهر فقط. ويتعزّز ذلك بأن الخطوتين مجتزأتان عن أي خطّة شاملة لمعالجة الأزمة، أي أنه حتى الآن لم تظهر ملامح «خطّة التعافي» التي تعدّها الحكومة والتي كان يفترض ألا تلغي خطّة الحكومة السابقة، بل تعديلها بما يتناسب مع التطوّرات الأخيرة في أرقام سعر الصرف والناتج المحلي الإجمالي والتضخّم…
لكن ما هو أخطر من ذلك، أن الخطوتين تحفّزان المزيد من ارتفاع الأسعار، سواء لجهة ارتفاع كلفة الحصول على النقد الورقي بالليرة، أو لجهة شراء السلع الأساسية. وبالتالي فإن قرارات كهذه ستؤدي حكماً إلى زيادة حدّة الركود التضخمي، فأسعار السلع ستتضخم أكثر وسط ركود اقتصادي كارثي.
عملياً، إن هاتين الخطوتين تستعيدان ما قامت به قوى السلطة في فترة ما من السنة الماضية عندما قرّرت اعتقال الصرافين وزجّهم في السجن للجم تدهور الدولار. يومها انتهى الأمر بخروج الصرافين من السجن ومنحهم «مكافأة» العمل مع مصرف لبنان وفي خدمة أهدافه للمضاربة على العملة بشكل منظّم ووفق أجندة الحاكم، وليس المضاربة على العملة بشكل عشوائي. فبحسب مصادر مطّلعة، إن الصرافين يعملون بأوامر مباشرة من مصرف لبنان لبيع الدولارات وشرائها. لا بل إن المصرف المركزي، من خلال تعاملات الصرافين مع مديرية العمليات النقدية ومع منصّة «صيرفة»، صار قادراً على شراء الدولارات الورقية المتداولة في السوق.
ولا تقف رواية المصادر عند هذا الحدّ، بل تشير إلى أن الارتفاع الأخير المسجّل في سعر الصرف كان سببه شراء بعض الصرافين كميات كبيرة من الدولارات لحساب مصرف لبنان. وإذا صدقت هذه الرواية، فهذا يعني أن مصرف لبنان استعمل هذه الدولارات للتأثير النسبي في سعر الصرف، أو على الأقل في محاولة التأثير بواسطة الخطوتين المذكورتين في بيانه المسائي أمس. بمعنى آخر، إن الرواية تتجنّب توصيف عملية التلاعب بسعر الصرف التي ينفذها مصرف لبنان بالتلاعب ربطاً بحاجاته للدولارات، وربطاً بالتأثيرات السياسية التي تترافق مع ذلك. أي أن سعر الصرف تحوّل على يد سلامة وصرّافيه إلى عامل سياسي في خدمة بعض قوى السلطة، وفي خدمة مشروع كبح أي أفكار لمقاضاته وتوجيه أيّ اتهام قضائي له.
في العادة يكون الأثر معاكساً، أي أن سعر الصرف يتأثّر بالعوامل السياسية ويرتفع أو ينخفض تزامناً مع الاستقرار السياسي أو انعدام اليقين السياسي. لكن في الحالة الراهنة، يبدو أن سعر الصرف تحوّل إلى أداة سياسية سيكون لها اليد الطولى في رسم معالم المرحلة المقبلة لجهة توزيع الخسائر على أبواب الانتخابات النيابية.
كذلك، يمكن قراءة البيان من زاوية أخرى مفادها أن الحكومة ومصرف لبنان يعتقدان بأن شراء الوقت هو الحيلة الأكثر ملاءمة الآن في انتظار معجزة ما لانعقاد الحكومة أو للاتفاق مع صندوق النقد الدولي. لكن لا يمكن شراء الوقت، إلا عبر إجراءات تعسّفية تطاول الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع. الهدف الأساسي لهذه الإجراءات هو كبح الاستهلاك. وهو أمر لا يمكن تحقيقه من دون رفع الأسعار. وبالتالي فإن استخدام السياسات النقدية في هذا السبيل يتيح امتصاص السيولة بالليرة من دون أي اعتبار لانعكاسات ذلك على حاجات المجتمع وتراكم خسائره.
واللافت أن تكون وزارة المال حاضرة في هذا الاجتماع من دون أن يكون لها أيّ دور أو وظيفة، حتى لو كان الهدف المعالجة المؤقتة. فما تقوم به وزارة المال، هو أنها تتفرّج على كل هذه التداعيات الكارثية، فيما هي غارقة في دراسة سيناريوات زيادة الإيرادات عبر زيادة الدولار الجمركي وزيادات ضريبية أخرى. بهذا المعنى، يجري تسخير السياسات الضريبية لأهداف يرسمها مصرف لبنان حصراً برعاية رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وإشرافه.