سفيرر الشمال- عبد الكافي الصمد
قبل أيّام، كتب الصحافي العريق وناشر جريدة السفير التي توقفت عن الصدور قبل سنوات طلال سلمان مقالة معبّرة تحت عنوان: ″في وداع لبنان: سأخونك يا وطني″، قال فيها إنّ ″لبنان إنتهى. الهاوية تتسع. الآلام تتعاظم. الرؤيا عمياء. لا بارقة أمل. الطوائف قتلت لبنان ولا تريد دفنه، ولا أحد مستعد لوراثة التركة المزمنة″، مضيفاً: ″لقد إنتهى لبنان. مات. جثته حيّة ترزق لأنّ لا أحد مؤهل لدفنه أو لقيامته″.
من يتابع ما تقوله نخبة المجتمع اللبناني من مفكرين وأدباء وصحافيين وأصحاب مهن حرّة ومتابعين ومراقبين على منصّات وسائل التواصل الإجتماعي يكاد يخرج باستنتاج واحد، هو أن هذه النخبة ترثي لبنان على نحو مفجع ومأساوي، وتعلن وفاة لبنان الذي عرفته، والذي عاشت فيه، والذي تتطلع إلى أن يعيش فيه أبناؤها والجيل الجديد.
كلّ شيىء في لبنان عرفه أهله عنه حتى سنوات قليلة خلت، وتحديداً حتى قبل سنتين ونيّف عندما اندلعت شرارة الحَراك في 17 تشرين الأوّل 2019، أصبح من الماضي، ومجرد ذكريات من الماضي ووقوف على الأطلال، في ظلّ إنهيار شامل في كلّ القطاعات والمجالات من دون إستثناء.
والمفارقة أنّ الإنهيار الشّامل جاء دفعة واحدة، ففي نحو سنتين من الزمن لم يبقَ من لبنان إلا مجرد شكل من أشكال الدولة الخاوية على عروشها؛ من إنهيار العملة الوطنية مقابل الدولار الاميركي، ما جعل الليرة اللبنانية تخسر 20 ضعفاً من قيمتها التي كانت عليها قبل سنتين، إلى انهيار القطاعات الصحّية والتربوية والإقتصادية والإجتماعية، وجعل لبنان يفقد جميع الأدوار التي كان يقوم بها في المنطقة، ليصبح بلا أيّ دور أو وظيفة في منطقة مضطربة سوى أنّه ـ للأسف ـ نموذج ناجح للفشل المريع.
كلّ ذلك يحصل بينما أهل القرار في الطبقة السّياسية والمالية والأمنية يقفون متفرجين على بلد يغرق في أزماته امام أعينهم، وينهار الهيكل فوق رؤوس الجميع، من غير أن يبادروا إلى فعل أيّ شيىء لإيقاف الانهيار ووقف التدهور والإنزلاق نحو قعر لا قاع له، ومعالجة الأزمات المستفحلة التي تكاد تشطب البلد عن الخارطة.
ومع أنّ الأزمات تستفحل على كلّ الصعد، خصوصاً الأزمة المعيشية والإجتماعية التي جعلت 80 في المئة من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر، ويعانون من الجوع الذي دخل إلى بيت كلّ لبناني تقريباً، فإنّ بعض المسؤولين ما يزالون يبشرون اللبنانيين بأنّ الآتي أعظم والسواد آتٍ، محذرين من أنّ الذهاب إلى تحرير الدولار الجمركي سوف يزيد من الضغوط والأزمات، وسوف يجعل الأيام المقبلة تشهد إرتفاعاً جنونياً في سعر صرف الدولار، وهو ما بدأت معالمه في الظهور يوم أمس، بعدما تجاوز سعر صرف الدولار حاجز الـ29 الف ليرة، ومقترباً من حاجز الـ30 ألفاً، لتسجل الليرة تراجعاً لم تعرفه في تاريخها.