«حماس» في عَقْدها الرابع: المقاومة عصيّة على التدجين
الأخبار- رجب المدهون
وكانت انطلقت أولى محاولات التدجين بعد الانتفاضة الأولى، وبدء إنشاء السلطة الفلسطينية عام 1994، حيث اعتقلت السلطة المئات من كوادر «حماس»، وفكّكت بنيتها التنظيمية، وعملت على تعيين كوادرها ضمن الأجهزة الأمنية، وربطهم بسُلّم الرواتب مقابل تخلّيهم عن مقاومة الاحتلال وتنفيذ العمليات الفدائية، إلّا أن هذه الاستراتيجية لم تؤتِ أُكُلها مع غالبية عناصر الحركة، الذين أعادوا تشكيل خلاياها العسكرية لدى انطلاق الانتفاضة الثانية، ونفّذوا عمليات كبيرة ضدّ العدو في غزة والضفّة والداخل المحتلّ عام 1948. كذلك، تعرّضت الحركة لعمليات اغتيال استهدفت الصفّ القياديّ الأول، الذي كانت تَعتبره دولة الاحتلال أكثر تصلّباً ورفضاً للحلول السياسية، بما يشمل مؤسّس الحركة الشيخ أحمد ياسين، وقائدها في غزة عبد العزيز الرنتيسي، على أمل أن يكون الصفّ القيادي الجديد أكثر مرونة وقابلية لإحداث تغييرات في التفكير السياسي لـ«حماس». وبالفعل، ظَهر صفّ قيادي جديد في الحركة قبل دخولها الانتخابات، ما ولّد أملاً أميركياً – إسرائيلياً – مصرياً، بإمكانية الوصول إلى الهدف المطلوب.
وفي عام 2005، تواصَل النهج نفسه من خلال «اتفاق القاهرة» الأوّل بين الفصائل الفلسطينية، والذي دخلت بموجبه الحركة الانتخابات البلدية وفازت فيها بشكل واضح، لتَعقبها الانتخابات التشريعية في عام 2006، وتفوز بها «حماس» أيضاً، وتعْمد إلى تشكيل حكومتها، التي مورس عليها حصار خانق كان الهدف منه مساومة الحركة على سلاحها مقابل استمرارها في الحُكم، وهو ما آل، في نهاية المطاف، إلى فشل المشروع الأميركي – الإسرائيلي – المصري الهادف إلى جرّ «حماس» إلى المربّع نفسه الذي دخلته «فتح»، وأنتج «اتفاقية أوسلو» عام 1992، إذ لم تتجاوب الحركة مع الإغراءات التي قُدّمت لها، فيما لم تستطع الأموال القطرية ولا التركية ولا الضغوط المصرية دفْعها إلى التخلّي عن بندقيتها، التي تطوّرت لتصبح ترسانة عسكرية متكاملة.
ولم تكن الحروب الأربع التي خاضتها «حماس» ضدّ العدو، مستثناةً من ذلك السياق، وصولاً إلى المعركة الأخيرة، التي تكثّفت عقبها جهود الترويض، وتمَثّل أبرز وجوهها في زيارة وزير المخابرات المصري، عباس كامل، لقطاع غزة، حيث طرح عروضاً لتحسين الوضع الاقتصادي في القطاع مقابل إدامة الهدوء على الحدود. وعلى الرغم من ذهاب الحركة إلى إحداث تغييرات في وثيقتها السياسية عام 2017، لتتماشى جزئياً مع المتطلّبات الدولية، بما يشمل القبول بدولة على حدود 1967، إلّا أن معركة «سيف القدس» أثبتت، مجدّداً، صعوبة إخضاع «حماس» وتغيير هويّتها العملياتية، التي لا تزال تتعرّض – على رغم ما تَقدّم – لمحاولات تحوير جديدة، عنوانها «الأمن مقابل الاقتصاد».