منذ اليوم الأول قلنا ان المشكلة أبعد بكثير، وأكبر بكثير، من جورج قرداحي. متى رأى البلاط في الساسة اللبنانيين أكثر من متسوّلي الأرصفة (هل نبالغ ؟). العديد منهم القهرمانات بين أيدي المستشارين والسفراء. أنظروا الى بعض النماذج الآن، وكيف يتراقصون بين العباءات، ودون أن يتسنى لهم ولو ملامسة عباءة صاحب السمو…
انه المأزق الجيوسياسي، المتعدد الأبعاد، الذي يواجهه ولي العهد. وكان ينتظر تحقيق أي انجاز سياسي، أو عسكري، استثنائي ليتوّج ملكاً. حتى اللحظة، من مأزق الى مأزق. راهن على خلع بشار الأسد (ومن هناك يطوّب ملك ملوك العرب لا من أي مكان آخر). وضع عشرات مليارات الدولارات بين يدي رجب طيب اردوغان قبل أن يكتشف أن الرئيس التركي يسعى لخلعه هو أيضاً.
وعبر ثامر السبهان، وبهلوانيات ثامر السبهان، راهن على احداث انقلاب، ولو كان الانقلاب الدموي، في لبنان، فاذا به يخرج بخفي حنين.
ألم يطرح على دونالد ترامب الذي اصطحب معه، ولأغراض استراتيجية، ابنته ايفانكا الى الرياض، السيناريو الخاص باحتلال قطر، كمدخل الى الحاق البلدان الخليجية الأخرى بالمملكة، وبحجة توحيد مرجعية النفط والغاز، ودائماً لمصلحة العزيزة أميركا. آنذاك هز ترامب رأسه بالموافقة، فكان أن ريكس تيلرسون اتصل بالبنتاغون الذي طلب من أنقرة ارسال دباباتها، تحت جنح الظلام، الى الدوحة للحيلولة دون الغزو السعودي؟
ثم يأتي حديث اليمن. كل المعلومات تشير ألى أن الأمير محمد بن سلمان، ومنذ أن تولى منصب ولي العهد، وهو يخطط للظهور في ساحة التحرير في صنعاء، ليس فقط من أجل تعليق عبد الملك الحوثي على حبل المشنقة، وانما لاعلان نفسه، وسط بنادق، وأهازيج، أبناء القبائل، ملكاً على السعودية واليمن.
هو الذي اكتشف، متأخراً، مدى «الخيانة الأميركية»، وتركه يتخبط في المستنقع اليمني. كذلك «الخيانة الأميركية» في عدم الوقوف الى جانب بنيامين نتنياهو في تقويض نظام آيات الله في ايران.
لعل المشكلة الكبرى كان في ارتطام «صفقة القرن» بالحائط اللبناني، بعدما كان التعويل على أن تحدث هذه الصفقة تغيير خارطة الشرق الأوسط، بالتقاطع اللاهوتي والاستراتيجي، بين الكعبة والهيكل.
الـ «لا» اللبنانية كانت بمثابة الصاعقة، حتى على رؤوس مهندسي الصفقة. جاريد كوشنر، وعلى نهج بني قومه في «اسرائيل»، كان يعتقد أن لبنان ليس سوى ملهى ليلي يمكن وُلوجه بسكاكين المطبخ.
هل يعتقد ايمانويل ماكرون، بالخبرة المحدودة في تضاريس الشرق الأوسط، وفي قراءة ما تحت العباءات الملكية، أنه أقنع صاحب السمو، الذي لا يرى فيه أكثر من بائع متجول، بالتوقف عن حصار لبنان، وعن خنق لبنان؟ تأملوا جيداً بما نطقت به السفيرة آن غريو، مساء الاثنين، على احدى الشاشات. كل في الأمر أن مملكة الخير ستوزع السلال على هياكلنا العظمية…
هكذا من أجل عيني صاحب السمو، يتجاوز بيار دوكان كل الأصول، وكل الأدبيات، ولا يزور رئيس الجمهورية!
صاحب السمو يدرك جيداً أن لبنان عصيّ عن أن يكون ايرانياً. لماذا لا يواجه آيات الله في عقر دارهم بدل أن يواجهها في لبنان الذي، لولا مؤازرتها له، لما تمكن من دحر البرابرة البيض الآتين من ليل المواخير، كما من دحر البرابرة السود الآتين من ليل القبور؟
نقول للأمير اننا مع كل خطوة يقوم بها لابعاد بلاده عن ثقافة الكهوف، وان بملامسة الحداثة ولو من وراء الزجاج (وعبر جون ترافولتا ومغنية الراب نيكي ميناج)، اننا ضنينون بالدم السعودي، وبالمال السعودي، يضيع في لعبة الأمم…
تريد أن تخرج من المأزق (الجيوسياسي)؟ اذهب الى دمشق، وصافح بشار الأسد. حين تكون سوريا حصينة، وقادرة، لا جريحة، ومنهكة، يكون العرب حيثما ينبغي أن يكونوا، لا الدمى على الخشبة الأميركية…
قناعتنا، في شفاء سوريا، شفاء لبنان وشفاء العراق وشفاء اليمن، وحتى شفاء… السعودية!!